الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الادخار».. بداية تحقيق الأحلام

«الادخار».. بداية تحقيق الأحلام
29 أكتوبر 2015 20:20
أحمد السعداوي (أبوظبي) يعد الادخار من أهم مبادئ الحياة، الواجب أن يتعلمها الشباب في بداية حياتهم، لأنه من خلال التعرف إلى هذه الثقافة وإدراك قيمتها، يستطيع الشاب أن يمضي في مسيرة حياته بنجاح وبعيداً عن الاهتزازات النفسية والاجتماعية التي قد يتعرض لها وتنجم عن إسراف البعض أو عدم التعرف إلى الطرق السليمة للتعامل مع المال، خاصة في ظل المغريات العديدة التي يجدها الشباب هنا وهناك، فيسارع بإنفاق كل ما لديه من أموال على أمور ربما لا تمثل فائدة حقيقية في حياته، ثم يشعر بالحسرة والندم، بعد فوات الأوان، حين يواجه موقفاً طارئاً أو أزمة مالية مفاجئة، ومن هنا يجب التعود على الادخار، ومعرفة أفضل السبل التي تساعد الشباب على ذلك، مما يجعلهم أشخاصاً ناجحين في حياتهم، حالياً ومستقبلاً. استقرار نفسي يقول عيسى أحمد الشحي، الطالب بجامعة خليفة: «إنه يمكن ترسيخ ثقافة الادخار لدى الشباب، منذ الصغر، عن طريق الأسرة، لأنها تلعب الدور الأكبر في تنشئة الشباب على قيم وثقافات وعادات معينة، وتستطيع ترسيخ هذه الثقافة في الأبناء منذ نعومة أظفارهم وحتى الكبر، من جانب آخر أيضاً يلعب المجتمع والمؤسسات المجتمعية والإعلام دوراً في نشر ثقافة الادخار لدى الشباب من خلال وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحاضر، خاصة أن الجميع يعرف أن الادخار له أهمية كبيرة في أن ينعم الفرد أو الشاب بالاستقرار النفسي أولاً ومن ثم الاجتماعي، فالشخص إذا كان مرتاح مادياً نظراً لإدراكه بتوافر المال لديه في حالة احتاج لشي معين سواء لشرائه أو استخدامه فسيكون مطمئن البال، بالإضافة إلى أن الشخص لن يعاني من الهموم والتفكير الطويل لتلبية احتياجاته أو احتياجات الأسرة أيضاً حالما توفر لديه مبلغاً مدخراً يساعده وقت الحاجة، بالتالي استقراره الاجتماعي يأتي كنتيجة للاستقرار النفسي». كما أن تنمية ثقافة الادخار لها فوائد تعود بالنفع الكبير على الفرد وبالتالي المجتمع، لأنه إذا تم التعود على الادخار وتوفير المال لن يهتم الشباب بالإسراف وشراء الأشياء غير اللازمة وصرف المال على غير الضروريات، بالتالي ينشأ الشباب في بيئة ومجتمع معتدل سواء في الاقتصاد وتلبية الاحتياجات اليومية، والاستقرار الاجتماعي فلن تكون هناك فروقات اجتماعية بين الناس. وحول الصلة بين التخطيط والادخار وتأثير معرفة الشخص للتخطيط على أن يكون مدخراً جيداً، أوضح أن عملية التخطيط ضرورية قبل القيام بأي عمل، ليتم إتقان العمل بشكل ممتاز، ومن هنا إذا كان الشخص يدخر فقط من أجل الادخار ومن غير تحديد هدف معين للادخار، يكون ادخاره بلا معنى، فالتخطيط لشراء سيارة مثلاً أو بناء منزل، أو لأي عمل كان، يجعل الشخص متحمساً أكثر للادخار وللوصول إلى المبلغ المطلوب بسرعة أكبر، ويكون تخطيطه من أجل فائدة معينة مرجوة، بالتالي يكون ادخاره جيداً لوجود هدف واضح أمامه. ويرى أن أفضل الوسائل على التدريب على الادخار، هو ادخار الشخص لماله بنفسه، وأن ينشئ أبناءه على الثقافة نفسها بتوفير مثلاً صندوق خاص للادخار في المنزل، على أن يتعود الأبناء على ادخار مبلغ معين فيه كل أسبوع مثلاً ليتعودوا على ذلك، ومن بعدها استخدام المبلغ المدخر في شراء أو بناء شيء معين تحتاج له الأسرة، مثل هذا التصرف يعود الأبناء على التعاون أيضاً والوقوف بجانب ذويهم في حالة استدعت الحاجة. ضائقة مادية جمعة درويش الرميثي، يروي موقفاً عايشه وتعلم منه الفائدة الكبرى للادخار، بقوله: «مرت على أسرتي ضائقة مالية منذ حوالي عامين، حيث حدث حريق في سيارة الوالد، ما أدى إلى استبدال ماكينة السيارة بالكامل، ولم يكن في المنزل حينها مال ينفع في مثل هذه الظروف الطارئة، فتعرضنا لضائقة مالية أثرت على بعض نواحي حياتنا، لو كان هناك مبلغ من المال مدخر لما تأثرنا، ومن هنا عرفت مبكراً قيمة الادخار، وأعتقد أن هذا الدرس سيفيدني كثيراً في كل نواحي حياتي المستقبلية، وبالتالي يوفر لي عوامل استقرار نفسي واجتماعي وأسري، بسبب الحرص على تجنب الأزمات المالية التي تحمل في طياتها أزمات ومشكلات أخرى تؤثر على حياة كثير من الأسر والأفراد». ويعتقد أن أفضل الوسائل للتدريب على الادخار، أن يضع الشباب هدف للوصول إليه، ويكافئ نفسه من خلال الادخار، ويقوم بشراء شيء يحبه وتدريجياً يشتري أشياء أكبر مثل سيارة أو غيرها من الأغراض التي يحبها أي شاب، ويسعى إلى امتلاكها من دون أن تكون سبباً في ضغوط مادية عليه، نتيجة اعتماده على الادخار. ويؤكد أن الادخار من ضروريات الحياة الواجب على أفراد الأسرة كافة، وليس الشباب فقط التمسك بها، لأنه يمكن أن يتعرض أي فرد في الأسرة إلى ضائقة مادية، وإذا لم يكن أحد الأشخاص أو غالبيتهم على وعي بالادخار ويمارسونه بالفعل، ستتفاقم المشكلة التي يقع فيها أحد أفراد العائلة، وتترك أثراً سيئاً على الجميع، فضلاً عن أن الادخار يمنح صاحبه استقراراً نفسياً واجتماعياً، لأنه يدرك أنه في خط الأمان. الفائدة الكبرى وتذكر رودينا الشماع، الطالبة في كلية التقنية العليا في دبي، إن أهم العوامل التي تدفع الشباب إلى الإسراف والبعد عن الادخار يعود إلى الأسرة، لأنها المكان الذي ينشأ فيه الشاب ويتعلم فيه كل عاداته وقيمه سواء الإيجابية أو السلبية، فمن المنزل يرى الشاب إذا كان الأب أو كانت الأم تسرف وتبالغ في الإسراف سواء في الأكل أو الملبس أو تغيير أثاث المنزل سنوياً أو السفر إلى الخارج في كل العطلات أو الهدايا للأصدقاء بشكل مبالغ ومفاخر فيه، فمن الطبيعي أن ينشأ الشباب على هذه الطقوس والعادات التي اعتادوا رؤية آبائهم يمارسونها، فالشاب ينشأ على ما رباه والداه عليه، يجب على الآباء نهي أبنائهم عن الإسراف، بأن يكونوا قدوة لهم في المقام الأول. وتضيف: «منذ صغري تعودت على عادة جداً اعتز بها ألا وهي أن أقوم بادخار جزء من مصروفي اليومي المخصص للمدرسة، فمنذ المرحلة الابتدائية تعودت أن يكون لديّ حصالة خاصة لادخار المال، ويكون الادخار أكبر في أيام الأعياد والمناسبات، حيث أجمع مبلغ من المال لشراء ما يحلو لي من الألعاب أو حتى بعض من أغراضي الشخصية، وحين كبرت صرت أعرف جيداً الفائدة الكبرى للادخار، وهو ما يجعلني دوماً احتفظ بجزء من المال اشتري به الأشياء التي أرغب فيها، وحين أفعل ذلك أشعر بقيمتها وأفرح بها مهما كانت بسيطة. أكثر من الأغراض التي أحصل عليها من دون تخطيط وتعب». أما إيناس إبراهيم، خريجة جامعية، توضح أنها عرفت عن قرب قيمة الادخار من خلال والدها، معتبرة إياه من النماذج الناجحة جداً في هذا الإطار، لأنه دوماً يحتفظ بجزء من المال ولا ينفق منه أبداً تحت أي ظرف من الظروف، وحين تحدث أي مشكلة في أسرتهم أو عند أحد من الأهل والأصدقاء، يكون الوالد أول من يبادر بالمساعدة، وهو ما يجعلها تشعر بنعمة الأمان والراحة النفسية التي يفتقدها البعض في مثل تلك الظروف. وتبين إبراهيم أن مثل هذه السلوكيات من الأهل تعتبر أفضل دروس يتعلم منها الشباب في بداية حياتهم، ويدركون أن نجاح الشخص يقوم على التخطيط للمستقبل، والتحسب دوماً لأي ظرف، وهذا يكون بتعلم ادخار أي مبلغ مهما كان بسيطاً، لأن وقت الحاجة ستكون قيمة هذا المبلغ الفعلية أكبر كثيراً من قيمته في الأيام العادية أصل شرعي الدكتور طلال الجنيبي، خبير التنمية البشرية، يقول إن عملية الادخار لها أصل شرعي، من خلال قوله تعالي: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً)، «سورة الإسراء: الآية 29»، وهذا توجيه إلهي بضرورة التوازن في الإنفاق، بعدها جاء الكثير في السُنة النبوية المطهرة، وأقوال العلماء والحكماء عن مسألة الوعي الادخاري. وهذا التأصيل الشرعي العقلي المنطقي يؤكد أن المسألة ليست وجهة نظر مقابل وجهة أخرى، إنما هي مسألة محسومة عقلاً ونقلاً. وعلى الشباب أن يتجنب، النزعة الترويجية لكل ما يدور حولنا في حياتنا المعاصرة، إذ رسخت في ذهن كثير من الناس أن قيمة الإنسان تؤخذ بنسبة كبيرة من مظهره الخارجي، وهو ما لا نتفق معه بكل تأكيد، حيث إن القيمة الفعلية من مضمون الشخص، ولا يعني هذا إهمال المظهر، ولكن هذه الأمور تكون في حدود وقدرات وطاقات الشخص، فالله يحب أن تظهر نعمته على عباده، ولكن لا يقبل أن يكون الإنسان في حاجة إلى الذل والخضوع بسبب أمور مظهرية شكلية تقود إلى عواقب وخيمة. والأثقال المعنوية التي تصاحب الالتزامات المادية التي تفوق طاقة الإنسان تشكل عبئاً يصاحب الإنسان على مدار يومه، وإن لم يستشعر هذا العبء فالمصيبة أعظم، فالعواقب الوخيمة اجتماعياً وقانونياً وإنسانياً قبل كل شيء ترمي بظلالها على هذه الجوانب المظهرية، وهو لا يمتلك القدرة الكافية، ويعتمد على الاقتراض في تحقيق هذا الاحتياج الداخلي. وعلى من يمتلك قدرة مادية كبيرة تلبي له احتياجاته كافة، هناك أشياء أخرى يجب وضعها بعين الاختيار، ومنها مشاعر الآخرين حتى لا يبالغ في النواحي المظهرية، ومن لا يهتم بهذا الجانب ففي نفسيته خلل، وكذلك التفكير في من يعانون صعوبة الحياة يلزم أن تنعكس على أصحاب النفوس السوية بشكل منطقي. كادر طرق محددة يذكر الدكتور طلال الجنيبي، أن الادخار في حياتنا المعاصرة حاجة ملحة، تحسباً لأي مفاجآت تطرأ على حياة الإنسان، وأبجديات «الادخار» تكمن في نقاط محددة، وتتمثل في: ?الوقوف على المداخيل والمخرجات، بحيث يقارن الإنسان بين دخله وإنفاقه كي يحدد الأمور الضرورية التي لا غنى عنها والتي يمكن الاستغناء عنها. ?متى ما استثنى الإنسان النفقات الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وحدد الأمور الأخرى التي يمكن إعادة النظر فيها يستطيع أن يحدد القيمة الزائدة عن الاحتياج الفعلي التي يمكن أن يدخر منها إلى المستقبل. ?يجب أن يترك هذا المبلغ، وعدم اللجوء إليه إلا في حالات الطوارئ، وإذا تم استخدامه يجب استبدال المبلغ مكانه. ?في حالة ترسيخ هذا المبدأ والمضي عليه بشكل منتظم يستطيع الإنسان استثمار هذه المبالغ بشكل آمن. ?الادخار ثقافة وقناعة متى ما ترسخ لدى الإنسان أصبح يدرك أهمية الاحتفاظ بمبالغ مادية تعينه في حالات ربما كانت أشد بكثير من حالات مرت عليه من أمور مظهرية لا تقدم ولا تؤخر. ?الأسرة تزرع في الأبناء ثقافة الادخار منذ الصغر، وفي الوقت ذاته، التوازن بين الادخار وثقافة العطاء وهذا ربط ضروري جداً حتى لا يترسخ لديه جانب على حساب الآخر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©