الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قسوة أبي !

10 مارس 2007 01:54
طالما كنت أرى نظرات الخوف والقلق عندما يكون والدي في المنزل·· ''لا تفعلوا هكذا لأن والدك سوف يغضب منك ويعاقبك''، والعقاب ليس شيئا صعبا عليه، فهو أسهل من شرب الماء فهو قاسٍ لدرجة أنك تشعر بأنه لا يمت لك بصلة·· فمازلت أذكر عندما ترك أخي في حديقة المنزل في يوم شتائي، وهو لم يتجاوز الـ 7 سنوات، ولم يرحمه رغم توسلات أمي، والسبب إحضاره لقط إلى المنزل· دائما كنت أخاف من والدي، الذي كان يواجه كل أخطائنا بعقاب شديد، لا يكون أبدا متوقعا، ولكن بمرور الوقت انقلب الخوف إلى عناد ومواجهة هذا الخوف· فقد كان والدي يهددنا بأنه يعلم كل شيء نقوم به، فكنت أشك أنه يراقبنا، وأنه يبعث من يقوم بمراقبة تصرفاتنا، ولكن ما أن كبرت علمت أنه لا يعلم شيئا، وان كلامه ما هو إلا أسلوب للتخويف حتى لا نقع في الخطأ· من أجل ذلك فعلت الأخطاء تعمدا، كي أقهره ولكن بدون أن يعلم هو ولا أمي·· أخطائي كانت في البداية صغيرة وكنت أشعر بالنصر عندما كنت أقوم بشيء خاطئ ولا يعلم به أبي، وكنت أقول في نفسي لماذا لا تعاقبني يا أبي مادمت تعرف كل تصرفاتنا وتحركاتنا؟ إلى أن جاء يوم ووجدني المدرس وفي يدي سيجارة، وقام بإبلاغ الإدارة، اضطرت إدارة المدرسة لدعوة والدي، رغم أنني توسلت كثيرا إلى الأخصائي كي لا يقوم بهذه الخطوة، وسوف أقوم بأي شيء يطلبه مني، إلا أن يدعو والدي لكنه أصر واتصل به واستدعاه· حضر إلى المدرسة وعلم بالقصة كاملة، وبدأ عقابه أمام جميع المعلمين والطلبة، حيث انهال عليَ ضربا، ولم يستطع جميع المعلمين فك الاشتباك الذي حصل بيني وبينه، ورغم أن جسدي ضعيف، إلا أنني في ساعتها لا أعلم من أين أتت لي الشجاعة والقوة، وأزحت والدي عني، حيث وقع على الأرض، وركضت وأنا أعدو الشوارع خوفا من أن يلحق بي، ولم أفكر في الذي حدث له بسبب وقوعه على الأرض، كل الذي كنت أفكر به هو أنني أقوم بحماية نفسي منه· مر اليوم وأقبل المساء الذي كنت أشعر به قبل أن يأتي، فطريقي مظلم وقلبي مظلم وذكرياتي كلها مؤلمة ومظلمة، ألقى رجال الشرطة القبض علي وأخذوني إلى المركز، وأنا لا أعلم ما هو مصيري، كنت متأكدا بأن أبي أبلغ عني، وأن سنوات عمري ستمضي خلف قضبان السجن الحقيقي لا السجن الذي كنت أعيشه في واقع حياتي، ولكن ربما يكون أرحم من سجن والدي الذي سوره بالمخاوف والقلق، فكم صحوت من كوابيس أرى والدي يخنقني فيها، فكيف هي الحياة بهذه الصورة؟ علمت منهم أن والدي طريح الفراش وأنه يسكن المستشفى وأن الضابط استدعاني ليحقق في الحادثة·· وبدأ سؤاله الأول الذي رأيت فيه مشاهد كثيرة من حياتي تمر أمام عيني· كيف للإنسان أن يقوم بما فعلته في والدك؟ ألا تعلم كم هي كبيرة عند الله؟ رددت كلمة ''الله'' كثيرا، وبقيت صامتا وهو ينهال علي بالتوبيخ، وأنني ولد عاق يستحق أقسى عقوبة كي أكون عبرة لغيري من الأبناء العاقين· هنا صرخت بصوت عالٍ: لم يعلمني ذلك طوال حياتي، كل الذي كنت أسمعه أن هناك والدك سوف يعاقبك على كل ما تقوم به، هكذا علموني زرعوا في قلبي الخوف، ولم أشعر يوما بحلاوة أن لدي والدا مثل بقية الأبناء فكان والدي مصدر خوفي وقلق حياتي· من أجل ذلك تعمدت أن أقوم بالأخطاء في السر حتى أقول لوالدي بأنك لا تعلم أي شيء·· ولكني الآن أشعر بخوف من نوع آخر·· أخاف على أبي وأتمنى ألا يصاب بسوء·· إنه أبي!! وفاء المعمري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©