الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المحاكاة» بداية رحلة الطفل نحو اكتساب المهارات والمعرفة

«المحاكاة» بداية رحلة الطفل نحو اكتساب المهارات والمعرفة
23 أكتوبر 2012
عندما يتسرع الآباء والأمهات في تعليم الطفل أي مهارة سلوكية «كلام أو حركة أو فعل» ما، عليهم أن يدركوا أن ذلك ليس بالأمر السهل أو الهين بالنسبة له. إن هذه هي الحقيقة الغائبة عند كثيرين منهم، وعليهم أن يضعوها في اعتبارهم وهم يفكرون في تعليم الطفل أي شيء جديد دون تعجل أو قلق. عليهم ألا يستاؤون أو يتبرمون. عليهم أيضاً ملاحظة أن الطفل دائماًًً يميل بطبيعته الفطرية الذي فطره الله عليها إلى التقليد والمحاكاة، وهما كعملية مزدوجة تعد أسرع وأنجز الوسائل في التربية أو التعلم، بل وأيسر طريق لاكتساب المهارات السلوكية والحركية واللغوية، بل إنها الوسيلة الممكنة والمتاحة له بالفطرة، للاعتماد عليها في الاتصال بالبيئة من حوله. خورشيد حرفوش (أبوظبي) - في مرحلة الطفولة المبكرة يعتمد الطفل بطبيعة الحال على تقليد أبويه وإخوته وكل المحيطين به بشكل عام، فنجد البنت تتقمص شخصية أمها، ويتقمص الابن شخصية أبيه، ويقلدونهم في طريقة الكلام والمشي، وفي أساليب تعاملهم مع الغير. فهم يقلدون كل شيء يقع تحت ملاحظتهم، ونجدهم يقلدون فكرة جديدة كل يوم على حسب ما يسمع أو يشاهد. وكلما كان على علاقة كبيرة بالناس وخاصة الناس الذين يحبهم، كلما كان عدد الأفكار التي يقلدها كثيرة ومتنوعة. فلا بد أن يكون الآباء والأمهات قدوة صالحة لأبنائهم، ويعرضون عليهم أفضل القيم ليرسخوا في عقولهم ونفوسهم خصال الخير والفضيلة والأخلاق السليمة. لنلاحظ دائما أن الأبناء يرون أن تصرفات آبائهم من أعمال وأقوال هي الصحيحة، وأنها قمة الكمال، فيقتادون بهم، ويسيرون على نهجهم وخصالهم. ثلاث مراحل بروفيسور علم نفس الطفل الدكتور بنيامين سبوك، يرى أن عملية تعلم الطفل تمر بثلاث مراحل أساسية، فإذا أخذنا مثلاً مهارة «المشي» نجد أن الطفل يتعلم كيفية الجلوس، ثم الزحف والوقوف بالاعتماد على مسند، ثم بالاعتماد على ساقيه فقط قبل أن يكمل عامه الأول، ثم المشي بمساعدة أحد، والانتقال من مكان لآخر مستنداً على كرسي أو حائط، ثم يعتمد على نفسه. وعلينا ملاحظة محاولته انتصاب قامته لمدة ثوان معدودة دون أن يسقط، ثم يحاول من نفسه ثانية، وإن كان مؤلماً بالنسبة له، أو محاولته تسلق سريره أو النزول إلى الأرض بمفرده، وان سقط قد يبكي لكنه يحاول من جديد حتى ينجح، وإن ساعدته أمه نجده يصرخ، وإن أجبرته على النوم أو البقاء في مقعده أو مكانه سيتبرم ويعاود المحاولات إلى أن ينجح، وعندما ينجح ويقرأ الفرحة في عيون من حوله، سيتشجع لمعاودة الكرة من جديد، وهكذا في كل عملية أو حركة يكتسبها ويتعلمها. فالمرحلة الأولى تتمثل في «مجرد المحاولة»، والمرحلة الثانية إنما هي مرحلة التمكن، أما المرحلة الثالثة فهي القدرة على الاستفادة من المهارة التي تعلمها». ويكمل سبوك: «علينا ملاحظة دوافع الطفل، نراه مثلاً في عامه الثاني يظل يهز بدالة الدراجة ذات الثلاث عجلات قبل أن يحرك البدالة ليدفع العجلة إلى الأمام، وعندما يجلس على العجلة بعد ذلك فانه يستمتع بهز البدالة قبل أن يتحرك بالدراجة، إن ذلك يمنحه متعة السيطرة على الآلة، وهي متعة كبيرة يعتبرها بحد ذاتها هدفاً، فالدراجة في حياته ليس الهدف منها الانتقال من مكان لآخر، بقدر ما يكون الهدف هو اكتساب قدرة السيطرة على آلة ما». ويكمل سبوك: «الطفل في عامه الثالث يتدرب على دور الأب، والبنت تتدرب على دور الأم، وينتقل بعد ذلك إلى الاستمتاع باللعب مع الأطفال الآخرين بعد أن كان يحب أن يلعب بمفرده، وتأخذ ألعابه صفة الجماعية. وهو في كل مراحله يحاول أن يكتسب المهارات، ويقلد ما يرى ويشاهد ويسمع، ويحاول، ويعيد المحاولة، ويستفيد من أخطائه، ويستوعب تصحيح الكبار له بشكل يمكن ملاحظته». المحاكاة بالنماذج تشير مديحة عزمي، مشرفة الأنشطة في مدارس النهضة للبنات إلى أهمية عملية المحاكاة في التعلم، وكيف يكتب الطفل المهارات الجديدة، في مشاهداته اليومية لمن حوله، وهذه النظرية تطبق في تعليمه كثيرا من القيم والعادات السلوكية، وتكسبه معارف جديدة، فعلى سبيل المثال، ما يتم تنفيذه سنوياً من خلال الأنشطة اللاصفية من تعليم الأطفال حقيقة ومناسك الحج، وكيف نغرس في نفوسهم أبعاد وفضائل هذه العبادة التي تمثل ركناً من أركان الإسلام، في محاكاة الطواف حول الكعبة الشريفة، أو كيفية السعي بين الصفا والمروة، أو شعيرة رمي الجمرات، وغيرها، ويقوم الأطفال بتنفيذها عملياً بمساعدة المعلمة وبالاستعانة بنماذج ومجسمات مشابهة تحاكي الواقع، ومن ثم يتم تصحيح وتصويب الأخطاء حتى يتقن الطفل ما نريد أن نعلمه له، وهو بذلك يستوعب تماماً ما تعلم لأنه حاكى الواقع بالممارسة الفعلية». كذلك ترى هبة المزروعي «معلمة» بروضة الأطفال، أن إكساب الطفل المهارات بالاستعانة بالمحاكاة والتقليد، يسهل عملية التعلم، وتقول: «يتعلم الطفل كل يوم عشرات المهارات الحياتية من خلال احتكاكه بمن حوله من الكبار، أو الاستعانة باللعب بالنماذج والوسائل التعليمية، كتركيب المكعبات والنماذج الخشبية والكرتونية، ومن خلال المحاكاة، والمحاولة والخطأ، يمكنه أن يستفيد من أخطائه، فالطفل لديه قدرة كبيرة على التقليد، وهو يحاكي الكبار بسهولة، فذاكرته لا زالت خالية وتستوعب معلومات وخبرات عديدة، فمع تطور الحواسيب ازدادت المحاكاة الحاسوبية فعالية وإثارة في تدريس المفاهيم والمواضيع العلمية المختلفة وتنوعت لغات المحاكاة واستخداماتها في التدريس وهذا ما جعله أكثر مرونة وحيوية من ذي قبل، كما استخدمت المحاكاة في التقليل من الخسائر المادية والمعنوية، وهذا ما جعلها من النشاطات الفاعلة والممتعة في إرساء أسس التعلم لبعض المهارات والمواضيع الصعبة التي يصعب التعامل معها دون مخاطر في الواقع؛ فهي تبسيط لبعض المواقف الحياتية أو العملية في ما يكون لكل فرد فيها دورا يتفاعل من خلاله مع الآخرين، وفي ضوء عناصر الموقف المحاكى. وفي البرامج التعليمية المعززة بالحاسوب تمثل المحاكاة تكراراً لظاهرة ما في الطبيعة، بحيث يصعب تنفيذها داخل غرفة الصف أو خارجها، نظراً لخطورتها أو لارتفاع تكلفتها؛ ففي هذه البرامج يواجه المتعلِّم مواقف واقعية تقدَّم له بطريقة مشابهة، فهي بذلك تقنية فاعلة للتعلم أو تدريس مفهوم من الحياة بوساطة تقليد هذا المفهوم أو استحضار شيء يشبهه، ولا ينظر للمحاكاة باعتبارها حافزاً للمتعلمين فحسب بل ينظر إليها على أنها قادرة على جعل المتعلمين يتعلمون بطريقة مشابهة للطريقة التي يتعرضون لها في حياتهم العملية الحقيقية». مهارة ودقة ملاحظة ترى الأخصائية النفسية سوسن حلاوي أن الأطفال لديهم قوة وقدرة عجيبة في التركيز والرصد وتسجيل الفروق الشخصية وتباينها عند الآخرين، وهي مهارة فطرية يمكن أن تستثمر بالعلم، ويمكن استغلالها لتنمية مهارات الطفل الأخرى، وفي تعلم اللغة والرياضيات، وأية مهارات معرفية أخرى، ويمكن التدرب عليها، وبكثرة الممارسة سيصبح الطفل متقناً لهذه المهارة أو تلك، فالتقليد يبرز عند أشخاص يحبون التفاصيل، ويحبون التشبيه، ويميزون الفروق الشخصية بين الناس. فالتقليد سواء كان للصوت أو الحركة أو الكلام أو حتى للشكل الخارجي والتصرفات غير النمطية أو غير الإرادية، يتضح بقوة لدى الأذكياء ذكاء حاداً ويبرز في تمييز الناس، وتمييز العناصر الفرعية أو الصفات التي يختلفون فيها. لدى بعض الأشخاص قوة غريبة في التقاط هذه الفروق، ومن خلال المحاكاة والتقليد يمكن أن يتعلم الطفل كثيراً مما نريد أن نعلمه إياها، فالمناهج الدراسية لأطفال الحضانة أو رياض الأطفال تعتمد على نظرية المحاكاة والتقليد بشكل كبير وخاصة في السنوات الثلاثة الأولى من عمر الطفل، والدراسات التربوية أكدت أنها ذات جدوى كبيرة في تعلم الطفل إلى جانب التعلم عن طريق المحاولة والخطأ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©