الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المر.. دراما الحياة في مجتمعات الخليج

المر.. دراما الحياة في مجتمعات الخليج
28 أكتوبر 2015 23:05
محمد عبد السميع الكاتب الإماراتي محمّد المرّ من المثقفين الذين يمكن أن نطلق عليهم وصف «المثقف الشامل» بسعة معرفته واطلاعه وتأثيره في المشهد الثقافي الإماراتي ودوره المحوري فيه، وتناوله هموم الانسان في قصصه وتصديه للقضايا الوطنية والاجتماعية. فقد أصدر خلال عقدين من الزمان ثلاث عشرة مجموعةً قصصيّةً، تحتوي على 165 قصّةً قصيرةً، وهو ما يمثل إرثاً هائلاً من القص لا يقاربه فيه إلا قلة من الكتاب العرب. قصص المر فيها رائحة وألوان وبسمات ودموع الخليج، فيها يدخل القارئ إلى بيوت الخليج فيشاهد أهلها في أكثر لحظات حياتهم حميمية وخصوصية ويخرج معهم إلى الأزقة والشوارع والأسواق فيتأملهم وهم يتفاعلون ويتعاملون مع بعضهم البعض ومع الآخرين. وفي قصص المر أيضاً يرجع القارئ إلى الماضي فيشاهد دراما الحياة الإنسانية في المجتمعات الخليجية. المرّ يعدّ واحداً من الكتّاب الواقعيّين المرتبطين ببيئتهم المحليّة في أوسع معناها وجغرافيّتها، فدبي على الدوام مسرح أحداث قصصه وملعب شخصيّاتها. وتتنوع المستويات المادية لشخصياته بين المستويات الفقيرة والمتوسطة، ويناقش قضايا وهموم وتطلعات كل طبقة من طبقات المجتمع، فقصصه تتمتع بالواقعية في التعامل مع حركة الحياة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وأثر ذلك على الفرد والأسرة وبالتالي على المجتمع. ففي قصّة «واقفة وهي تبتسم» تأكيد على المضمون الاجتماعي الإنساني، وتصوير للمتغيرات التي طرأت على مجتمع الإمارات وانعكاس ذلك على سلوكيات أبنائه. وتبدأ تهيئة القارئ من دخول صقر فناء بيته مناديا زوجته: أعطني البندقية. ويمضي الحوار بينه وبين زوجته، نفهم من خلاله سبب غضب صقر وهو هروب القردة (أم كامل) عندما أفلتت من السلسلة المربوطة بها أمام الدكان، وتسللت عبر السكيك إلى صالة الاحتفالات بفندق حياة ريجنسي بدبي والتي كانت عامرة بحفلة زواج كبيرة وتسببت في هرج ومرج ومواقف مضحكة مع العريس والجرسونات وأعضاء الفرقة الموسيقية وأهل العريس والعروس. الأمر الذي استدعى تدخل الشرطة للإمساك بها. وتأخذ الزوجة موقف الدفاع عنها: «لكن أم كامل قردة مسلية» ويتبين من السرد أن صقر وزوجته يحبان الحيوانات، وأن الأسرة أثناء زيارتها محلات الحيوانات والطيور والأسماك شاهد ابنهم الصغير صقر قردة من نوع الشمبانزي وأصر على أن يشتريها والده. ومع قدوم أم كامل البيت بدأت المشاكل بتسللها إلى سطح الجيران واستحمامها في خزان المياه، وتهديدها للبقال وهروبها من قفصها الخشبي وتسلقها جدار المسجد القريب من دكان صقر. وبالطبع كل هذه المشاكل والخسائر تحمل نتائجها وعواقبها الزوج صقر. وفي كل مرة كانت الزوجة تحاول تبرير تصرفات أم كامل وتخفف من استياء زوجها وتمتص غضبه: «ولكنها حيوان بهيمة، لا عقل لها، وابنك يحبها، وهي تسلينا». وفي ضوء تتبع أحداث القصة وأفعال شخصياتها حرص المر على إبراز دور الأسرة وتميز العلاقات الأسرية في اتخاذ القرار والاتفاق على شؤونها الحياتية: «استعرض صقر وزوجته مقالب وقصص أم كامل طيلة ذلك العام الذي قضته معهم فضحكا واستنتجا في النهاية أن إبقاءها عندهم أفضل من التخلص منها لذلك فقد قرر ضرورة بناء قفص حديدي متين لها داخل البيت..» ورغم ذلك تختفي أم كامل وتبحث الأسرة عنها في كل مكان دون فائدة: «فشلت كل جهودهم في العثور على أم كامل، بعد مرور سنة على غيابها لم يبق من أم كامل إلا قصص شيطنتها وطرائف تخريبها». وتتوالى الأحداث ويذهب صقر لتجديد عقد استئجار دكانه ويكتشف أن المالك الجديد هو أحمد عبدالله الذي كان يعمل معه منذ عشرين عاما. وبالاستقصاء والسؤال سمع صقر أن زميله أصبح واحداً من الأثرياء الكبار نتيجة عمله في المقاولات والمناقصات الحكومية. «واقفة وهي تبتسم» محمد المر لقد ركز الكاتب على صدق التعبير ولوّن أسلوبه بألوان متعددة ولغة تتحسس حركة الحياة وتتلمس مواقع الشخصيات وسماتها: هناك حوار وجمل خبرية وإنشائية واعتماد على الاستفهام والتعجب: «بناية كبيرة تطل على الخور، في مقر الشركة الذي يحتل ثلاث طوابق من البناية، شاهد محاسبين هنوداً ومهندسين باكستانيين وسكرتيرات عربيات..» كانت أحاسيسه وتوقعاته مضطربة هل سيعرفه صديقه القديم؟ كيف سيستقبله؟ هل يريد إيجاراً مرتفعاً للدكان؟، بعد قليل خرج أحمد واحتضن صقر وقبله. إن العشرة والزمالة تحتم على الصديق استضافة ودعوة صديقه، فالفوارق الاجتماعية لا يمكن أن تكون عائقا أو سببا في تجاهل عادات وتقاليد المجتمع. فيصطحب أحمد صديقه صقر معه في سيارته الفارهة وفي الطريق يدور حديث الذكريات بينهما. إلى أن يصلا إلى فيلاته الفخمة بحي الراشدية، فينبهر صقر بالمجلس وأثاثه، وشكل ولبس الخدم. فيقول أحمد: «وهذه أيضا رغبة من رغبات زوجاتنا الكريمة، عندما انتقلنا إلى هذا البيت أصرت على أن يكون للخدم زي موحد مثل أزياء خدم المطاعم والفنادق، والدها كان سماكا ووالدي كان بحارا وهي تريد أن تجعلنا أرستقراطيين». ثم يشد انتباه ونظر صقر مشهد في الجانب الأيسر من المجلس حيث يشاهد أم كامل واقفة وراء الكرسي. ليبلغه صديقه: «هذه (صباحوه) شاهدها بعض العمال في إحدى البنايات التي كانت تبنيها الشركة فأحضروها لي وسرّت بها زوجتي وأعجبت الأطفال ووضعت لها زوجتي خادماً يهتم بشؤونها وكانت قردة ذكية ومسلية ولكنها كسولة جداً وفي نهاية السنة التي مكثت فيها عندنا كان الكسل قد وصل بها حدا كبيرا فلم تكن تتحرك من مكانها، ثم امتنعت عن تناول الأكل وأحضرنا لها طبيبا بيطريا فلم يستطع شفاءها وتحول البيت إلى مأتم كبير عندما ماتت، وأصرت زوجتي على أنها تريد الاحتفاظ بالقردة الحبيبة إلى الأبد كذكرى غالية فأرسلتها مع المهندسين الهنود إلى مومباي حيث حنطوها وها هي أمامك الآن واقفة وهي تبتسم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©