الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسرة في مهب الريح

أسرة في مهب الريح
3 نوفمبر 2011 19:51
(القاهرة) - كانت الشياطين مصفدة في قيودها في شهر رمضان الماضي، ورغم ذلك تقع الجرائم بكل أنواعها، بما يعني أن شياطين البشر أكثر شراسة ولم تردعهم أيام الصيام المباركة، فقد عثر على جثة «ناجي» ابن الخامسة والخمسين قتيلاً في منزله، وارتكب الجناة الحادث بوحشية، بعدما طعنوه بالسكاكين وضربوه بقطعة خشبية على رأسه، حتى هشموه وأصابته الطعنات في البطن والصدر ومعظم أنحاء الجسد، بما يعني أن الانتقام هو الدافع وراء القتل، لكن الغريب أن المعاينة أثبتت أن جميع المنافذ إلى الشقة سليمة بما يشير إلى أن المتهم تمكن من الدخول بطريقة طبيعية ولم يقتحم المكان، أي انه معروف للقتيل وبينهما علاقة ما. أسرة القتيل مكونة من زوجته وثمانية أبناء وبنات في مختلف الأعمار، ووقع خلاف بينه وبينهم أدى إلى قيامه بطردهم قبل الحادث بعشرة أيام فغادرت الزوجة مع الأبناء المنزل إلى بيت أمها في منطقة أخرى، وعلموا أن أضواء الشقة مضاءة باستمرار ليل نهار ولا أحد يدخل أو يخرج، حيث اتصل الجيران بهم هاتفياً ليبلغوهم بذلك فتوجه الابن الأكبر بعد عودته من عمله إلى مسكن والده ليستكشف الأمر وعندما فتح الباب اكتشف الفاجعة الكبرى، الأب ملقى على الأرض غارقا في دمائه وثبت أن الجريمة وقعت منذ يومين أو ثلاثة. هذه المعلومات، لم تقدم ولم تؤخر ولم تفد في الكشف عن ظروف الجريمة وغموضها، فهذه الإفادات تبدو عادية وقد تكون صحيحة أو كاذبة لكنها ما زالت محل تدقيق ولم يتم إهمالها أو وضعها جانباً، وبدأ البحث في شخصية القتيل نفسه، وهنا توالت المفاجآت التي قد تكون معروفة لدى الأسرة ولكنها جديدة في البحث، فقد تبين أن الرجل ليس فوق مستوى الشبهات فهو رغم كبر سنه واقترابه من الستين، ما زال يعيش في طيش الشباب واندفاعاته ويسير وراء نزواته، ويتعاطى المخدرات بكل أنواعها ويلعب القمار مع شلّة بعضهم في مثل أعمار أبنائه، وهناك آخرون مثله افتقدوا النخوة والمروءة ويسهر حتى الصباح وقد يعود في الفجر وهو يترنح. وبسبب تصرفاته تلك كان كثير المطالب من أبنائه الذين عمل بعضهم للإنفاق على الأسرة بعدما تخلى هو عن مسؤولياته، ولكن الخلافات تضاعفت لأن الزوجة تريد أن تدخر بعض المال لإعداد وتجهيز ابنتها للزواج حيث تقدم شاب لخطبتها مؤخراً، لكن الأب لا يهتم ويعيش في واد وهم في واد آخر، ومطالب القمار عنده تفوق مطالب المخدرات التي لا يستطيع بسببها التحكم في تصرفاته وعلى استعداد لفعل أي شيء من أجل الحصول على المال حتى لو وصل الأمر إلى حد القتل واعتاد ذلك منذ سنوات طويلة ولا أحد يقف أمام مطالبه ولا يمكن كبح جماح نزواته وكثيراً ما اعتدى على الجميع بالضرب لمجرد الخلاف البسيط فهو لا يقبل الحوار ولا يسمح بأن يرد أحد عليه. منذ عامين كانت له تجربة للعلاج من الإدمان استمرت ثلاثة أشهر وتوقف معها عن القمار لأن أسرته كانت تعامله مثل الطفل الحديث الفطام، وتدلله ليقبل الاستمرار في تلقي العلاج ولا يتمرد، ولكن سرعان ما عاد إلى غيه مما جعل الأسرة كلها تغضب عليه بشكل غير مسبوق، ولم تعد مسألة الاحترام له كما كانت من قبل، لأنهم تضرروا منه بما لا يطيقون، فالابنة الكبرى اقتربت من العنوسة بسببه لأن الشباب لا يجدون في أبيها تشجيعاً على المصاهرة وبعودته إلى الإدمان والقمار فإنها قد تفقد العريس الذي جاء بعد طول انتظار. الابن الأكبر يكد ويكدح ليل نهار من أجل توفير لقمة العيش للأسرة الكبيرة، فيعز عليه أن يضيع أبوه جهده في القمار والمخدرات والأفواه مفتوحة والبطون تتضور جوعاً، أما الابن الثاني فما زال طالبا في المرحلة الثانوية، ورغم ذلك فهو يعمل في مطعم بعد اليوم الدراسي من أجل توفير نفقاته التي لا يوفرها له أحد غيره في ظل هذه الظروف، إلا أن أباه لم يتركه في حاله ويمارس عليه ضغوطاً ليحصل على بعض المبالغ التي يتكسبها، والزوجة حائرة بلاً حيلة ولا تملك أن تفعل شيئاً وما يهمها أن تحاول الحفاظ على الأسرة مع هذه الظروف، وليس في تفكيرها أن تترك الساحة حتى لا يضيع الجميع، وأيضاً ليس أمامها غير التحمل، أما بقية الأبناء فلا حيلة لهم وما بأيديهم إلا الصبر والدموع. عشرات الأشخاص خضعوا للفحص والتحري وجمع المعلومات عن علاقتهم بالقتيل ما بين أقارب وأصدقاء ومعارف خاصة أفراد شلة الأنس الذين تحوم الآن حولهم الشبهات، وهذا ما جعل المهمة الصعبة والقاسية تستغرق حوالي شهرين كاملين حتى يتم التوصل إلى السر ومن الذي وراء الجريمة، فقد تنصل الجميع منه، فهذا يقول إنه لم يره منذ أسابيع، والثاني لم يلتق به منذ بداية شهر رمضان لأنه لا يلعب القمار ولا يتعاطى المخدرات في شهر الصيام، والثالث يؤكد أنه أقلع عن هذه التفاهات منذ سنين وقطع علاقته بالقتيل، وهكذا جاءت كل الأقوال لتتبرأ من أي تعامل معه، حتى الذين التقوه وسهروا معه في الليالي الأخيرة قبل رحيله النهائي اعترفوا بأنهم جميعاً لا يصومون، ولكنه هو الذي لم يذهب اليهم في الأماكن التي اعتادوا اللقاء فيها من أوكار ومقاه، بينما الجميع ينكرون ارتكاب الجريمة أو معرفة أي معلومات، والغريب أنه لا يبدو على أي منهم أي تأثر لما حدث وكأن الرجل لم يكن بينهم وبينه تعاملات وعشرة وسنوات من السهر والشراب، فباعوا كل ذلك رخيصاً، وهو بالفعل رخيص ولم يكلف أحدهم خاطره بأن يترحم عليه، بل ربما لعنوه في أنفسهم لأنه جر أرجل بعضهم إلى ما هم فيه من ضياع ووضعهم على طريق بلا عودة. الموقف يزداد تعقيداً أمام رجال الشرطة، ولا بارقة أمل في الأفق وتكاد دماء القتيل تذهب هدراً، إلا أن معلومات بسيطة تأخر الاهتمام بها بجانب ما استجد في خطة البحث، أجابت عن السؤال الصعب، من وراء الجريمة، فقد تبين أنه بعد المشاجرة التي حدثت بين الأب وأبنائه وزوجته، وتركهم المنزل استولى منهم بالقوة على مبلغ مالي ادخرته الأم لشراء احتياجات ابنتها قبل الزواج، وقامر به وبعد أن خسر معظمه عاد إليه الحظ وكسب أضعافه ويدخر المبلغ الكبير معه لكنه حتماً سيعود إلى المقامرة وسيخسره، وكان ابناه الكبيران يحومان من بعيد حول المنزل في وقت السحور حتى لا يراهما أحد وبالطبع لأنهما يقيمان هنا لا يتسرب الشك إلى أحد بأنهما يضمران شراً ويخططان لجريمة، كما أن التحرك في هذا الوقت لا يثير الريبة لأن كثيراً من الناس يعودون إلى منازلهم في وقت السحور سواء من سهرة أو عمل أو غيرهما، أما المهم فهو ظهور علامات الثراء على أفراد الأسرة بعد مقتل الأب بحوالي شهرين رغم أنهم لم يرثوا عنه شيئاً غير المشاكل والسيرة السيئة. تأكد ذلك كله بالمعلومات الموثقة، خاصة بعد أن عجزت الأسرة عن إثبات مصدر تلك الأموال، وأن دخول مسكن القتيل تم بمفتاح أصلي وليس مصطنعاً وهذا دليل آخر يوجه أصابع الاتهام إلى الابنين اللذين تم القبض عليهما، وبعد أن حاولا الإنكار والادعاء بأنهما باران بأبيهما، لم يستطيعا الرد على تلك المعلومات، وجلسا يعترفان بأنهما في يوم الخلاف الأخير عادا من العمل ليجدا أمهما مهمومة تبكي وعلما أن أباهما اعتدى عليها بالسب والضرب بسبب نزواته وعندما عاتباه كال لهما نصيبا من شتائمه وبذاءاته، وطرد الجميع، وعلى العكس مما قالا من قبل فقد حاولا الاعتداء على أبيهما بالضرب، بل أن الابن الأصغر وجه إليه لكمة قوية جعلت الجميع يحاولون إنهاء الموقف والانسحاب حتى لا تتطور الأمور وغادروا المنزل. بعد أسبوع عاد الابنان، للحصول على المبلغ الذي كان مع أبيهما ليتمكنا من العيش والإنفاق على احتياجاتهما، لكن بسرعة تطور الحوار الحاد فقام الأب بطردهما وتم التشابك بالأيدي ونسي هو أنهما ابناه، ونسيا هما أنه أبوهما وانهالا عليه ضرباً وطعناً حتى سقط قتيلاً وغادرا المكان معتقدين مع مرور كل هذه الأيام أنهما نجيا من العقاب، وأمرت النيابة بحبسهما ووجهت لهما تهمة القتل العمد المقترن بالسرقة، وفي القانون عقوبتها الإعدام إلا إذا أخذتهما المحكمة بالرأفة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©