الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آلمتني محاولات الثأر الأدبي من عزازيل

آلمتني محاولات الثأر الأدبي من عزازيل
18 مارس 2009 01:52
كان فوز رواية ''عزازيل'' للدكتور يوسف زيدان بجائزة البوكر العربية مفاجأة متوقعة، فالرواية منذ صدورها أثارت الاهتمام النقدي على الرغم من أن صاحبها لم يطرح نفسه منذ أن بدأ بالعمل الثقافي قبل نحو 15 عاماً ككاتب روائي، إذ التصقت به صفة الباحث الذي ألّف وحقّق ما يزيد على 30 عملاً في مجالات تاريخ العلوم والفلسفة والتصوف وهو اليوم يدير مركز المخطوطات، أحد أهم المراكز البحثية التابعة لمكتبة الإسكندرية، وربما بفضل ارتباطه الدائم بالمخطوطات وجد زيدان موضوعاً متميزاً لروايته المثيرة للجدال، التي تتحدث عن ترجمة مخطوطات قام بها مترجم وهمي لمجموعة لفائف مكتوبة باللغة السريانية، دفنت ضمن صندوق خشبي محكم الإغلاق كُتبت في القرن الخامس الميلادي وعُثر عليها بحالة جيدة ونادرة في منطقة الخرائب الأثرية حول محيط قلعة القديس سمعان العمودي قرب حلب في سوريا، كتبها الراهب هيبا بطلب من عزازيل، أي الشيطان· وقد أثارت الرواية بموضوعها جدالاً كبيراً تعدى من وجهة نظر الكثيرين على جودتها الفنية وحصر المناقشة حولها في أمور تتعلق بالشأن الديني، ربما لأنها تتحدث عن فترة حرجة من تاريخ الكنيسة بين القرنين الرابع والخامس للميلاد (زمن انشقاق كنيستي أنطاكيا والإسكندرية وعقد مجمع أفسس الذي ناقش انشقاق نسطور أسقف القسطنطينية وحرمانه)· سيد محمود تتألف الرواية من 380 صفحة فيها 31 فصلاً (رقّاً) ولكل رقّ عنوان، والرقّ الأخير هو قانون الإيمان المسيحي، وكلمة عزازيل تعني الشيطان بحسب اللغات القديمة، وبحسب ما جاء في الموسوعة الشعرية من كتاب ''الباقلاني'' لأبي البركات الأنباري (1119ـ1181م) فإن إبليس وقبل أن يرتكب المعصية كان ملَكاً من الملائكة واسمه عزازيل ولم يكن من الملائكة ملَكٌ أشد منه اجتهاداً ولا أكثر منه علماً· وتأتي رواية ''عزازيل'' كعمل روائي ثان بعد رواية ''ظل الأفعى'' التي ناقشت قداسة الأنوثة ودور الأنثى في مراحل مبكرة من التاريخ البشري قبل أن تتحول المجتمعات الإنسانية إلى السلطة الذكورية، أما العمل الثالث الذي يعكف زيدان عليه حالياً فهو رواية اختار لها اسماً موقتاً هو ''أيل'' وتعني الله أو النبطي· لا شك أن كل تلك المعلومات تشير من دون مراوغة إلى أن لدى صاحبها مشروعاً محدد المعالم قائماً في جوهره على مساءلة التاريخ وقراءته بروح نقدية لعلها السبب الرئيسي لما دار من مساجلات حول أعماله بين رجال الدين المسيحي في مصر والذين هدد بعضهم برفع دعاوى قضائية، فيما لجأ آخرون إلى إعداد مؤلفات لا هدف منها سوى الرد على ما اعتبروه نوعاً من ''المغالطات'' التي امتلأت بها رواية زيدان، فالقمص عبد المسيح بسيط، أستاذ اللاهوت الدفاعي بالكلية الإكليركية في مصر، على سبيل المثال، اعتبر أن زيدان اهتم بمحاولة الإيحاء للقارئ بأن القصة التي ''ألفها'' قصة حقيقية، وجدت مكتوبة في لفائف جلدية أثرية باللغة السريانية، أو الآرامية، وهي لغة المسيح· وقال بسيط إن الكاتب بنى روايته على أساس حوادث واقعية وتواريخ معروفة، وقد وضع لها ثلاثة أهداف، هي: الانتصار لمن سمّتهم الكنيسة بالهراطقة، وتوجيه هجوم شديد الى الكنيسة ورمزها القديس مرقص الرسول، إضافة إلى محاولته الإيحاء بأن ''الله لم يخلق الإنسان بل إن الإنسان هو الذي خلق الله، وأن فكرة الإله هي من خيال الإنسان''· في مقابل تلك القراءات التي يمكن وصفها بـ''التعسفية'' وجدت الرواية قراءات أخرى كان هدفها الرئيسي استنطاق النص الأدبي نفسه وبيان ما ينطوي عليه من جماليات، ومن بين تلك القراءات، تلك التي قدّمها الناقد البارز جابر عصفور للرواية الذي اعتبر أن اختيار زيدان للفضاء التاريخي الذي تتحرك فيه حوادث روايته، هو اختيار روائي مقصود، بغرض كشف مناخ التعصب وإدانة خطابه في كل عصر لأن ''آليات هذا الخطاب واحدة، ومفرداته متشابهة، لا فارق جوهرياً بين تلك التي أدت إلى الاغتيال البشع لهيباتيا ـ في الرواية ـ باسم إله بريء من فظائع قتلها، وبين الفتوى التي أباحت قتل الأطفال المسلمين في الجزائر، حتى لا يشبّوا كفاراً مثل آبائهم، ولذلك ليس المعوّل على الأسماء، أو الديانة، أو المكان، في هذا السياق الروائي، فالأهم هو الدلالة متكررة الرجع، الدلالة التي لا يقصد من ورائها هذا الاسم في عينه، أو تلك الطائفة الدينية من دون غيرها، بل جوهر الفعل الذي تتعدد تجلياته وتتكاثر صوره، عبر الأزمنة والأمكنة، وفي كل الديانات والاعتقادات التي يشيع فيها خطاب التعصب، وتسيطر على وعي طائفة منها آليات خطاب العنف الذي يتحول إلى وصمة في جبين الإنسانية''· هنا حوار مع زيدان حول ما انطوى عليه عمله الروائي من فضاءات مجازية وما أدت إليه طرق القراءة التي قادت نصه مرة إلى الترشح لجائزة البوكر العربية ومرّات أخرى إلى قراءات ''استعمالية'' بحيث باتت أرضاً خصبة لعدد من التأويلات· ؟ ما الدلالة المقصودة من اختيار اسم ''عزازيل'' كعنوان للرواية، وهو عنوان كان من الصعب إدراك معانيه بالنسبة الى القارئ العادي؟ ؟؟ الرواية لم تُكتب أصلاً للقارئ العادي· ؟ لماذا كان اللجوء تقنياً إلى ما سمّاه جابر عصفور ''مخايلة استهلالية في السرد''، حيث يختفي المؤلف المضمر والمعلن في الحكايات التي ترد في مقدمة المترجم؟ ؟؟ أردت أن يشارك القارئ في النص، يتورَّط فيه، ويحتار قليلاً مثلما احترت، ثم يشرع في النص سالكاً الطريق المتوسط بين الواقع والخيال، فيسكب على النص كثيراً من واقعه هو، وخياله، ثم يتوحَّد على نحوٍ خفي بالبطل، ويرى نفسه متجلياً على مرآته· لم أشأ أن أقدم الى القارئ حدوتة أو حكاية مسلية، وإنما قدَّمتُ إليه نصاً يستنفره ويتمازج مع باطنه العميق· ولذلك اقتضى الأمر، هذه التقنية غير المباشرة التي وُصفت بأنها مخايلة استهلالية· ؟ لماذا كان الإصرار على إحداث نوع من التغريب وخلق حكاية للحكاية، هل لكي تباعد بين القراء وآليات الاستقبال للرواية نفسها؟ ؟؟ هذا متصلٌ بما سبق، بشكل وثيق، ومرتبط بحياتنا على نحو عميق· فلا توجد في الحياة ولا في الوعى بالحياة حكاية مفردة، لكل حكاية حكايات مرتبطة بها· ففي حياتنا لا يوجد خط مستقيم، وإنما دوائر، والدوائر كلها متداخلة· مستويات اللغة ؟ من الأمور المدهشة في الرواية مستويات اللغة داخلها، فهناك أكثر من مستوى لها، مستوى وصفي، ومستوى يمكن أن نسميه دينياً، ومستوى آخر قائم على محاكاة النصوص القديمة· والسؤال: كيف توصل زيدان إلى خلق تلك المستويات على الرغم من أن خبرته كروائي ليست كبيرة، فهل استعان هنا بخبرة الباحث في علوم المخطوطات؟ ؟؟ هذا إنتاجُ الانشغال بطبيعة النصوص، تراثية أكانت أم معاصرة· وقد فعلت الأمر نفسه في دراساتى النقدية التي نُشرت في النصف الأول من التسعينات، ثم صدرت في كتابي النقدي ''التقاء البحرين'' في منتصف التسعينات· فالخبرة التي تذكرها، ليست صغيرة ولا جديدة· ؟ تتجلى داخل النص لغة شاعرية محملة طاقاتٍ صوفيةٍ سماها جابر عصفور في سلسلة مقالاته عن العمل ''لغة المخايلة الشعرية'' وأريد أن أسأل هنا عن قرار الروائي في داخلك الانحياز إلى لغة دون أخرى، وأرجو أن تحدثنا عن أشكال المجاهدة التي قادتك إلى خلق هذا العمل؟ ؟؟ هي ليست مجاهدة، بل غوص في الشخصيات وتدوين الصورة الروائية للشخصيات، بعدما تتخلل باطني تماماً، فأصير كأنني هذه الشخصية الروائية، أو تلك· ومن بعد ذلك، أترك الشخصية تتحدث عن نفسها بلغتها الخاصة ورؤاها المميزة لها· ؟ ألم تفكر أكثر من مرة قبل خلق حكايات عن الجنس في الرواية بسبب طبيعة موضوعها؟ ؟؟ الجنس في ''عزازيل''، وفي ''ظل الأفعى'' قبلها، ليس مطلوباً لذاته، وإنما هو مرآةٌ لانعكاس الحالة العامة للشخصيات· ولذلك تراه مفعماً بالإنسانية العميقة لهذه اللحظات الفريدة، التي ينطلق نصها المكتوب روائياً، من مفهوم هرمسي للجنس وليس بالمفهوم السطحي له· ؟ هل الجنس في الرواية جاء مشدوداً بين غوايتين، لا تفارق كل منهما صفة المعرفة المنهي عنها، المعرفة المقرونة بمبدأ الرغبة الذي لا يفارق معنى اللذة التي يكتمل بها فعل الحضور الخلاق المتأبي على الكبت الذي يحرم الإنسان من أن يكون إنساناً بحق ولم يكن من قبيل المصادفة أن تنطق تفاعلات سياقات السرد، في مدى اللاوعي النصي؟ ؟؟ هذا كلام معقد، أو هو على الأقل أكثر تعقيداً مما تحتمله تلك المشاهد الروائية التي كتبتُها، منطلقا كما قلتُ من مفهوم إنساني عميق لتلك اللحظات الحميمة عبر ذلك الفعل الذي يصفه الهرمسيون بأنه الفعل الحلو المكرس الذي يلتقي فيه الرجل والمرأة فيدركان لحظتها أنه فعل اكتمال، وأن الذي ذكَّر المذكر هو الذي أنَّث المؤنث· ؟ وهل قصدت أن يكون لعزازيل في نصك هذا الحضور الملتبس؟ ؟؟ هو ملتبس الحضور دوماً· ؟ ألم يكن لهذا الحضور الملتبس ثمنه الذي حوَّل الرواية من معالجة مجازية لموضوع القمع إلى ضحية للقمع أيضا؟ ؟؟ هذا هو ثمن الالتباس عموماً، أعني الثمن الذي ندفعه صاغرين، متحولين، قامعين ومقموعين· خطاب التكفير ؟ ترد في الرواية إشارات واضحة لا لبس فيها في شأن خطاب ''التكفير'' الذي يخلقه صنّاع الفتن استناداً إلى تأويل خاطئ للنص الديني· هل بدأت الكتابة بنية فضح آليات هذا الخطاب وتفكيكه، أم أن الكتابة بذاتها قادت نصَّك إلى هذه المعالجة؟ بمعنى آخر، كيف ترك الزمن الراهن أثره على نصك الذي يبدو تاريخيّاً إلى حد كبير؟ ؟؟ التاريخي والراهن متداخلان فينا على نحو أعمق مما نظن· إننا نفصل التاريخ عنَّا على مستوى ذهنىّ، فقط، ولكن على المستوى الشعوري والفعلي (واللغوي أيضاً) فالتاريخ نافذٌ فينا، اعترفنا بذلك أم أنكرناه· ؟ هل فاجأتك طرق قراءة النص، ولا سيما تأويله الديني الذي قادك إلى الصدام مع بعض رجال الكنيسة؟ ؟؟ فوجئتُ بالطبع بالهجوم غير المبرر، غير أنني لم أنسَق إلى الصدام· ولا أوافقك في قولك ''قادك إلى الصدام مع الكنيسة''· بالعكس، تماشيت مع ذلك قدر المستطاع، ولذلك لم أردّ على التوهمات التي اشتملت عليها تلك ''البيانات'' الكنسية الرسمية، انتظاراً مني لتلك اللحظة التي يقرأ فيها الغاضبون روايتي قراءة منصفة، أو يضربون عنها صفحاً ويتجاهلونها ما دام معناها العميق غائباً عن أذهانهم· ؟ على صعيد آخر، هل جاءت القراءات النقدية المضادة للتأويل الديني للرواية لتحقق لها قدراً كبيراً من الإنصاف الذي اكتملت ذروته بترشيحها للبوكر، وهو الترشيح الذي اعتبره البعض مفاجأة كبيرة؟ ؟؟ القراءة النقدية تأخّرت، فكانت النتيجة أن بعضهم قرأ الرواية على أنها كتابٌ يقع خارج دائرة التأليف الأدبي· ولذلك، كان الترشيح للبوكر، ثم قائمة الستة عشر، وبعدها قائمة الستة، إنصافاً لروائية الرواية وتوجيهاً رفيعاً إلى أدبيتها· العجيب في الأمر، أن آرائي النظرية مبثوثة في كتبي الأخرى، ومذكورة هناك صراحةً· فلماذا لا ينقم الناقمون على ما ورد هناك، ويتركون الأدب لأهله، والرواية لمن يعرفون أوليات القراءة؟ ؟ عندما تقارن بين أشكال الاستجابة النقدية والجماهيرية لروايتك الأولى ''ظل الأفعى'' ورواية ''عزازيل''، ما هي المفارقات التي تستوقفك؟ ؟؟ يستوقفني فى الحالتين هذا الاهتمام الكبير من الشباب، فقد كنتُ غافلاً عن هذا الكم الهائل من القراء الذين تراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين· ويستوقفني أن تحظى ''عزازيل'' بهذا الاهتمام باعتبارها رواية ''خطيرة'' مع أنني أرى ''ظل الأفعى'' أشدّ خطراً منها· ؟ هل هذا يعني أن الجدال الذي أثير حول ''عزازيل'' أعاد اكتشاف روايتك الأولى كما أكد أن موضوع الرواية هو الذي صنع الجدال وليست تقنياتها؟ ؟؟ الموضوع في ''ظل الأفعى'' لا يقل أهمية عن مثيله في ''عزازيل''، وتقنياتها الفنية أعقد وأكثر رهافة· مع هذا، فلا يمكن أن نذهب إلى أن الرواية الأولى لم تثر جدالاً، فقد حظيت باهتمام كبير، ونفدت طبعتها الأولى في وقت قصير، وكذلك طبعتها الثانية· ولا يزال من العسير الحصول على نسخة من طبعتها الثالثة التي تأخر صدورها، ولم يتم توزيعها بشكل جيد حتى الآن· على كل حال، فمسألة الجدال ورواج العمل، لا تعنيني بقدر كبير· أو بعبارة أخرى، أهتم بذلك أقل مما أهتم بعمق الأثر الذي تحدثه كتاباتي· وهذا ما ينطبق أيضاً على أعمالي غير الروائية، فكتابي ''شعراء الصوفية المجهولون'' طُبع ثلاث طبعات، كانت الأولى منها عشرة آلاف نسخة· ومع ذلك، فالأثر الذي أحدثته دراساتي المنشورة في ''المتواليات'' كان أكثر عمقاً وأهمية، مع أن ''المتواليات'' لم تُطبع غير مرة وحيدة· دورة الزمن ؟ قارن نقّاد بين مناخ التلقي الذي سمح بمرور رواية ''قرية ظالمة'' ومناخ متعصب يقف أمام ''عزازيل''· كيف تتأمل أنت ما جرى في مصر والعالم العربي وخلق هذا المناخ المتعصب؟ ؟؟ للزمان دورته، وعلينا أن ندور مع الزمان حيث دار· ولا شك في أن الأحوال الفكرية عموماً، في تراجع يزداد مع الأيام تدهوراً· والحرية الفكرية صارت أقل حضوراً، لأننا صرنا أكثر كسلاً ذهنياً· ومن دواعي الكسل الذهني أن ترفض الشيء قبل النظر إليه، لأن هذا أسهل وأقل إجهاداً للذهن الكسول، وأكثر مناسبة للحالة المَرَضية غير المُرضية التي وصلنا إليها أخيراً· ؟ تحدث بعض منتقديك من رواد الإنترنت عن مسألة تتعلق برغبتك في كتابة نص شبيه بـ''دافنشي كود''· كيف تردّ على هؤلاء أو بماذا ترد؟ ؟؟ لا ردَّ عندي على هذه الأقوال، لأن أصحابها لم يقرأوا هذه ولا تلك، أو هم لا يعرفون أصلاً الفارق الجوهري بين رواية مغامرات وفبركات تاريخية مثل ''شفرة دافنشي''، ورواية فلسفية كُتبت بالدم مثل ''عزازيل''· ؟ هل شعرت بشيء من الألم وأنت تتابع على منتديات الإنترنت ما يمكن أن نسمّيه ''الثأر الأدبي'' من يوسف زيدان، على نحو جعل البعض يكتب رواية ''تيس عزازيل في مكة'' بغرض الهجوم على الإسلام بزعم هجومك على المسيحية؟ وكيف تلقيت ما تردد عن نية الكنيسة في إصدار كتاب للرد على روايتك يحرره أساقفة ورجال دين؟ ؟؟ طبعاً آلمتني مسألة الثأر هذه، وانتظرت تلك الكتب التي صرحت شخصيات كنسية كبيرة أنها في صدد نشرها، وهي أكثر من كتاب حسبما قالوا، ولكن لم يصدر منها شيء حتى الآن، ولعلهم أدركوا متأخراً أنهم لم يفهموا الرواية على الوجه الصحيح، فانصرفوا عن نشر الكتب التي توعَّدوني بنشرها مستخدمين صيغة تبتعد تماماً عما هو متوقع من أهل ديانة توصي أتباعها بالمحبة، وتقول لهم: أحبوا أعداءكم· غير أنني في نهاية الأمر، لست عدواً لهم، ولا أظنني سأكون كذلك يوماً· مشروع روائي ؟ عالجت رواية ''ظل الأفعى'' موضوع قداسة الأنوثة ودور الأنثى في مراحل مبكرة من التاريخ البشري قبل أن تتحول المجتمعات الإنسانية إلى السلطة الذكورية، وتعكف حالياً على رواية يمكن أن يكون اسمها ''إيل'' وتعني الله أو النبطي· هل يمكن القول إن لديك مشروعاً روائياً متكاملاً قائماً على استثمار معرفتك بالتراث العربي على نحو لا يحفزك لكتابة رواية معاصرة متحررة من التاريخ؟ ؟؟ ''ظل الأفعى'' رواية معاصرة، بل تقع حوادثها في المستقبل القريب (عام 2020)، وكذلك أرى الخطاب الروائي في ''عزازيل''، التي يدور زمانها الروائي ومسارح حوادثها في الماضي، ولكن خطابها الفكري شديد المعاصرة· وقد ذكرت لك قبل قليل، أن الماضي والراهن لا ينفصلان في الواقع، وإنما في الذهن المجرد فقط· ؟ في حواراتك الصحافية كلها لاحظت أنك تريد الرد من زاوية دينية كأنها شكل من أشكال الاستجابة لمحاولات ابتزازك في هذا الجانب؛ إذ تحدثت عن إيمانك ووعيك واحترامك للمسيحية فيما لم تقترب كثيراً من الخطاب المضمر للعمل في حد ذاته· ؟؟ لم أنجرف، ولا أنوي مستقبلاً، إلى سجال ديني بين إسلام ومسيحية· فكلاهما عندي تراثٌ واحد، تعاقبت مراحله، وتأسّس اللاحق منه على السابق· ولن أقع في شَرَك الخلافات المذهبية، فأناضل قوماً بلسان قوم آخرين، فهذا منهكٌ لكل الأطراف، ومدعاة للتنازع، ومن ثم الفشل الذريع وذهاب عزم الجميع، كما ورد في الآية القرآنية البديعة (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وقد علّمتني الأيام أن أتحاشى الانهماك فى السجالات والمهاترات، اتقاءً لظلمة القلب المترتبة على ذلك
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©