الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«حكايا الحلاق».. رواية بصرية عن زمن الانقسام في فلبين السبعينات

«حكايا الحلاق».. رواية بصرية عن زمن الانقسام في فلبين السبعينات
1 نوفمبر 2013 00:09
جهاد هديب (أبوظبي) - هناك رسالة بليغة ينطوي عليها فيلم “حكايا الحلاق” تتلخص في أن السينما هي السينما ومن غير الممكن تقسيمها إلى سينما تخص العالم الأول، وأخرى تخص العالم الثالث، وسواها تخص العالم الرابع عشر مثلا، في سياق نظرة استشراقية للمستعمرات السابقة، السينما هي فن مطلق ولغة عالمية ندرك معانيها بالعين ونقرأ في تفاصيلها شخصياتنا نحن الناظرين إلى الشاشة الفضية. “حكايا الحلاق” للمخرج جون روبلزلانا الذي عرض مساء أمس الأول في سياق مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، يشعر المتفرج أنه موجه في الأصل للجمهور الفلبيني، وهو كذلك بالفعل، لجهة حكايته وموقفه السياسي لكن بسبب جمالياته الفنية إخراجا وتمثيلا وكتابة السيناريو والحوار فإنه ينحاز إلى سينما عالمية بملامح إنسانية وبانتماء واضح إلى سينما واقعية تلامس شيئا من التاريخ الفلبيني الحديث إذ هو مرفوع إلى روح أحد “أبطال” اليسار الفلبيني الذي قاتل بضراوة نظام الديكتاتور ماركوس خلال فترة حكمه. يعود المخرج جون روبلز لانا كاتب السيناريو والحوار أيضا إلى منتصف السبعينات من القرن الماضي وإلى قرية صغيرة في أحد الجبال التي تشهد عنفا متبادلا بين الثوار والجيش النظامي، بل وإلى زوجة الحلاق الوحيد في القرية الذي يموت لتأخذ مكانه وتؤدي دورها الممثلة يوجين دومينغو بأداء موهوب جدا وبمقدرة عالية على التأثير في المتفرج، كونها امرأة عادية تماما وريفية بالمطلق وبطلة عادية تماما من نساء ذلك الزمان. يبدأ الفيلم بعبارة تجري على لسان إحدى الشخصيات النسائية: “هنا استفاقت ما لو على الحقيقة” وكأن المرء يسمع رواية أو يقرأها بعينيه من دون أن يقدم السرد الروائي أيا من شروطه للسرد السينمائي سوى تلك النبرة في الصوت النسوي المملوء بالأسى، والتي تشيع جوا من الحزن بسبب تهدّج الصوت. وينتهي الفيلم بالصوت ذاته للممثلة التي تؤدي دور “سوزان”، بائعة الحلوى كلما تفرغ من الحمل والإنجاب، فنرى بالصوت والصورة تلك المرأة وقد دخلت إلى الأسطورة الشعبية من بوابتها الواسعة، فقد تنقلتها الألسن فقيل أنها شوهدت في أحد القطارات في مانيلا، وقيل أنه قد جرى اعتقالها على أيدي الجيش النظامي وجرى تعذيبها إلى حدّ اختفاء جثتها، أما الضالعون في الأمر فأكدوا أنها هناك؛ في الجبال وقد انضمت إلى المقاتلين الثوار الكامنين في الغابات، متنقلة بين الجزر، مدافعة عن موقفها من حراكها الثوري، ومبشرة به، وقائدة عنيدة في الدفاع عن فكرتها عن صورة المرأة في المجتمع الريفي الفلبيني. وما بين المشهد الاستهلالي والآخر الختامي، تجري الكثير من الأحداث التي لا التباس في منطق تسلسلها في السرد السينمائي لكنها تبدأ مع “مري لو” المرأة المذعورة الخائفة التي لا ابن لها ولا زوج سوى ابنها في المعمودية الذي ترك دراسته والتحق بالثوار إلى أن تحولت إلى تلك المرأة القوية التي تملك “حكمة” خاصة، تقودها إليها تلك الأحداث التي تجري أمامها، والتي تراكم في نفسها جسارة وجرأة على أن تكون هي على ما هي عليه وليس كما في السابق، حيث “خوسيه” زوجها حلاق المحافظ، الذي تأخذ مكانه، لتكتشف كم كانت ضعيفة وهشة في مواجهة واقع محكوم لمنطق العنف وصراع الإرادات، لينتهي بها الأمر إلى اتخاذ موقف ينحاز إلى ما هو أصيل في جوهر الشخصية ذاتها. تلعب يوجين دومينيغو، بأدائها الخاص والذكي دورا هائلا في إقناع المتفرج بشخصيتها هي التي لا يدور الفيلم حول شخصيتها فقط بل أيضا حول المجتمع الريفي الفلبيني. هي امرأة عادية أربعينية ولا جماليات خاصة في شكلها الخارجي إنما يشير أداؤها إلى تلك الروح القادرة على تقمص الدور بحرفية عالية ومقنعة إلى حد بعيد. في سياق الفيلم، لا ينحاز مخرجه وكاتب السيناريو جون روبلز لانا إلى منطق اليسار الفلبيني آنذاك في محاربة نظام ماركوس فحسب بل يذهب عميقا في نقده الحادّ للمجتمع الريفي وقيمه السائدة آنذاك وخوفه ورغبته في الرضوخ والإذعان للسلطة الماكرة والخادعة ممثلة في المحافظ، عبر شخصية “ماري لو” ذاتها وما تستمع إليه من حكايا تجري على ألسنة الزبائن بعد أن باتت حلاق القرية، وعبر شخصية “إيدموند” الذي يهجر دراسته وأحلام عمته العانس بمستقبل باهر له، إذ يكتشف المتفرج زيف العلاقات الاجتماعية ونفاقها وميلها إلى الاستسلام الذليل. أيضا، فضلاً عن انحيازه لجهة اليسار وثورته في سبعينات القرن الماضي، ينحاز “حكايا الحلاق” للمرأة الريفية التي يتحرك فيها شيء ما تجاه ما يحدث بعيداً عن موقف المخرج من الموقف الأخلاقي من مهنة هذه المرأة أو تلك. كل تلك الأحداث، إذ تجري متسارعة بتواتر يجذب عين المتفرج للشاشة طيلة الوقت الذي يفيض عن الساعتين، يقدم الفيلم صورة للمرأة الفلبينية مغايرة تماماً، تجعل المرء ينظر لتلك المرأة التي كثيراً ما يصادفها في الشارع بعين أخرى غير تلك المرأة التي هي مجرد أنثى مسالمة وشديدة التهذيب في المجتمع المتنوع الذي نحيا فيه ها هنا. بهذا المعنى وبهذه الواقعية، يدخل الفيلم “حكايا الحلاق” إلى المنافسة على جائزة اللؤلؤة السوداء للفيلم الروائي الطويل في المهرجان مع عدد من الأفلام الأجنبية الغربية منها تحديداً، في حين يبدو للمتابع أن لا حظّ للأفلام العربية في سياق التنافس على الجائزة إذ لم تنقذ أحداث ما يسمى بـ”الربيع العربي” أيّاً منها، لتقف فنياً ورؤيوياً في الصف ذاته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©