الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقاربات القرية والمدينة

مقاربات القرية والمدينة
2 نوفمبر 2011 21:25
مجموعة قصصية تذهب بنا إلى عوالم مختلفة في نواحي الحياة ، يتكئ فيها القاص موسى الزهراني على حسه وقربه من المكان بوصفه المؤسس لكل المعارف من حوله، فيبدو القاص خبيرا بتلك الزوايا وعميقا في رؤيته لها إذ يفتح منها أسئلته في كل قصة ومقاربته بل ويملك حسه الخاص تجاه نقد الظواهر الكثيرة في حياة مليئة بالأسطوري الشعبي، وحياة أمتزجت فيها أسئلة المدينة والقرية وثنائيتهما التي تظهر وتختفي في ملامح قصصه القصيرة. يختار موسى الزهراني مسمى “أسرار” لأول مجموعة قصصية له، وهو يفشي تلك الأسرار تارة ويضع عليها ستارة شفافة تارة أخرى، ينتهج الواقعية كسبيل لمن يريد تلك الواقعية التي من شأنها أن تتوقف عند محطات مختلفة في الحياة، بل ولا تترك أيّ حس إنساني تصل إليه إلا وتدمجه في صميم الحياة وفي مختبر أن يكون نصا. سنقرأ في قصة “حنش” الذي أقترح والده له هذا الاسم كي لايصاب بعين أو حسد، والحنش هو مرادف للثعبان أو الأفعى لكن له دلالة وقيمة في مسماه، فهو برأي والده يقويه ويجعل له نصيبا من الشجاعة ربما. “حنش” الذي جاءت مراحل نموه خلال القصة وعرفنا الكثير من حياته في قصة قصيرة لأن الكاتب أختار أن يكثف هذه القصة ويصف هذه الحالة عن قرب بلغة وعبارات كانت كافية لنستلهم بقايا حنش، وندخل التفاصيل عندما نشد المخيال إلى ما وراء العبارة وما وراء الصورة، فالقصة التي تبدأ بهجوم ثور هائج أو غاضب على أمه تنتهي بتلك الذاكرة نفسها عندما ذهب إلى المدينة وأخذ يتماهى ويقارن بين أجواء قريته البعيدة وبين مظاهر الحياة المختلفة الحديثة، فيستوقفه كوب ماء من المعدن مربوط بإحكام في خزان ماء وضع لشرب المارة والعابرين، لكن شيئا صغيرا وكبيرا يستوقفه، عندما يطرح السؤال: لماذا ربط هذا الكوب؟ فيفقد مع الزمن ثقته على حد تعبيره في المدينة وثقته في كل سلوك يقابله ويواجهه. ونعثر على مثل هذه المفارقات في قصص “خرمان”، و”الرجل الغريب”، و”يوم في حياة مناضلة”، و”قصة شروخ” التي يؤرخها بعام 1970، والتحولات والمصائر في قصة “الأرملة”. يحاول موسى الزهراني أن يوجه نقده ضمنيا خلال هذه القصص على نواحي الحياة المختلفة اجتماعيا بالأخص، او فيما يتصل بالعادة أو التقليد البالي، والقارئ بوسعه أن يستشف ويكتشف وتغمره الدهشة وهو يدخل إلى هذه العوالم التي قد تكون جديدة عليه، فكما نقرأ عن الحارة المصرية عند نجيب محفوظ، أو عن بوادي أو قرى في المغرب أو أي بلد آخر، يصور لنا موسى الزهراني في أسراره تلك العوالم والأمكنة ويدخلنا تلك الأسرار بوعي الفنان الذي يدرك تماما متى يقول ومتى ينبغي أن يكون حاضرا في صمته، لكن ينبغي أن ننوه أن القرية ومناخاتها وعوالمها لم تكن كل شيء لدى الزهراني في أسراره، بل نقرأه يطرق مساحات أخرى وكأنه قناص الفرصة المدهشة كلما سنحت له الحياة.. أو كلما سنحت له روح القاص داخله.. فما القصة إلا حيوات ومشاهدات يترجمها القاص إلى نص إبداعي. هذه المجموعة القصصية التي صدرت عن نادي الباحة الأدبي تحتوي على مجموعة من القصص القصيرة ومن القصص القصيرة جدا، هذا الفن الذي بدأ يأخذ مكانه جيدا في مشهد القصة العربية ويبدو أنه أنهى مختبره كي يبدأ في وضع العلامة المكتملة له، يفرد له موسى الزهراني الجزء الأخير من المجموعة بقصص مكثفة وامضة وتقنية حذرة ولغة مقتصدة، فهو بصدد فن يبدو أن شروطه مختلفة بين كل قاص وآخر، لكن خطوطها العريضة باتت تتضح في كل مرة، القصص القصيرة جدا هي أقرب للأفكار التي ينتج عنها مفارقات أو دهشات وتشبه إلى حد ما قصيدة الومضة، إذ يوظف حتى العنوان في خدمة النص ويكمله ويكون لافتته نقرأ في قصة تحت عنوان “مصير مجهول”: “البنات كالجراد الطائر.. يقع على الكلأ، أو شوك أو صخر، حكمة يرويها العم علي وهو يتأمل حال بناته المقبلات على الزواج”. إنها القصة القصيرة جدا إذن، القصيرة شكليا وفي عدد الأسطر ولكنها الطويلة حين نبحث عن كل هذه التفاصيل على الأقل داخلنا، من أين أستقى العم هذه الحكمة؟ ولماذا الجراد والكلأ والشوك والصخر، حالات من التباين المجتمعي ومن الأفكار الطائرة في فضاء حر تكتبها تجربة القصة القصيرة جدا عموما وفي قصص الزهراني أيضا التي ترصد الحركة او الصوت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©