السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علماء: الهجرة النبوية نبراس هداية في كل زمان ومكان

علماء: الهجرة النبوية نبراس هداية في كل زمان ومكان
31 أكتوبر 2013 21:46
أحمد مراد (القاهرة)- شكلت الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة انطلاقة جديدة لبناء دولة الإسلام، وإعزازاً لدين الله تعالي، وفاتحة خير ونصر وبركة على الإسلام والمسلمين، ولم تكن الهجرة عشوائية، بل كانت منظمة مرتبة، أُعِد لها بصبر وبحكمة وبسياسة وفقه، ومن ثم كان لها آثار جليلة على المسلمين، ليس فقط في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن آثارها الخيرة قد امتدت لتشمل حياة المسلمين في كل زمان ومكان . وأوضح الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء أن حدث الهجرة النبوية ورد في القرآن الكريم فاكتسب خلوده بخلود كتاب الله، والهجرة النبوية الشريفة ليست لأهل زمانها الذي حدثت فيه فحسب، بل إن عطاءها وحصادها لأهل كل زمان ومكان عبر العصور والأجيال، ويظل هذا الحدث يمد الحياة الإنسانية بدروسه وعبره، ويؤكد لكل الأجيال في كل الأرض، أن معية الله سبحانه وتعالى تصون الناس من كل شر أو أذى، وكل خوف أو حزن ومعية الله تعالى يحظى بها المؤمنون الصادقون في إيمانهم، المحافظون على عقيدتهم وصلتهم بالله. الصلة بالله ويقول: الناظر إلى عطاء الهجرة النبوية للعالم، يرى أن فيها بيانا للأمة حكاما ومحكومين، أمما وشعوبا، بضرورة توثيق الصلة بالله تعالي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ أول عمل بعد هجرته من مكة إلى المدينة بإقامة المجتمع الجديد على توثيق الصلة بالله، فبني المسجد النبوي أولا، ليكون همزة الصلة بين العباد ورب العباد. ثم كان الأساس الثاني في بناء الدولة الجديدة، وهو إقامة التعاون والمؤاخاة بين الذين هاجروا وتركوا أوطانهم وبين المقيمين في المدينة من الأنصار، فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، والتي بلغت في تطبيقها درجة عالية، ثم كان الأساس الثالث في بناء الدولة تلك الوثيقة التي تعتبر أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الإنسان. حقوق الإنسان ويؤكد أن الهجرة النبوية أكدت حقوق الإنسان، لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم استبقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليرد الودائع لأصحابها مع أن أصحاب هذه الودائع أخذوا من المسلمين ما أخذوا وآذوا رسول الله صل الله عليه وسلم والمسلمين، ولكنهم مع مخالفتهم للرسول صل الله عليه وسلم لم يجدوا أحدا يأتمنونه على ودائعهم ونفائسهم وأموالهم وذهبهم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن اختلافهم معه في الاعتقاد لم يكن عن اقتناع بل عن مراوغة، بدليل أنهم كانوا يوقنون بأنه الصادق الأمين. أبواب الدعوة ويشير الداعية الإسلامي الدكتور راغب السرجاني إلى أن الهجرة لم تتم إلا بعد أن أُغلقت أبواب الدعوة تماما في مكة، وقد أغلقت أبواب الدعوة قبل الهجرة بثلاث سنوات بعد موت أبي طالب والسيدة خديجة رضي الله عنها، ومنذ ذلك التاريخ، والرسول يخطِّط للهجرة، ولم تكن نوعا من الكسل عن الدعوة في مكة، أو “الزهق” من الدعوة في مكة، ولم تكن الهجرة عشوائية، بل كانت بأمر القيادة إلى مكان معين، وهذا الذي أدى إلى نجاح الهجرة وقيام الأمة، حيث كانت هجرة منظمة مرتبة، أُعِدَّ لها بصبر وبحكمة وبسياسة وفقه، فالعشوائية ليست من أساليب التغيير في الإسلام، والهجرة وإن كانت حدثا تاريخيا مر منذ مئات السنين، ولا يستطيع أحد بعد جيل المهاجرين أن يحققه، وذلك كما قال الرسول: “لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ”؛ إلا أن الرسول صل الله عليه وسلم فتح باب العمل للمسلمين الذين يأتون بعد ذلك، فقال في نفس الحديث: “وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا”. فالجهاد والبذل والحركة والعمل في سبيل الله لن يتوقف أبدًا في الدنيا، والسعيد حقًّا هو من انشغل بعمله عن قوله، وبنفسه عن غيره، وبآخرته عن دنياه. ويقول د. السرجاني: ودروس الهجرة لا تُحصى ولا تُعد، ومن المستحيل أن نحيط بها كلها، ولكن نشير هنا إلى بعض تلك الدروس، عسى الله تعالى أن ينفعنا بها: أولاً: الأخذ بالأسباب: فقد بذل رسول الله وصاحبه أبو بكر الصّدّيق كل ما في طاقتهما لإنجاح عملية الهجرة، وهذا هو الإعداد المطلوب من المؤمنين، أن يُعِدُّوا ما يستطيعون، وما فوق الاستطاعة ليس مطلوبًا منهم “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ”. ثانيًا: الاعتماد على الله فلم يعتمد الرسول على الأسباب وترك رب الأسباب، حاشا لله، إنما كان يعلم أن الأسباب لا تأتي بنتائجها إلا إذا أراد الله، ولذلك فبعد أن بذل أسبابه كاملة تحلَّي بيقين عظيم في أنَّ ما أراده الله سيكون، ظهر ذلك في كلمته الرائعة: “مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا”، وظهر ذلك أيضًا في أنه لم يكن يكثر الالتفات في الطريق، فقد أدَّى ما عليه، وما أراد اللهُ واقع لا محالة، وبدون هذا اليقين لا يمكن للدولة المسلمة أن تقوم. ثالثًا: الأمل والثقة في النصر إذ لم يفقد رسول الله روح الأمل في أي لحظة من لحظات حياته، حتى في هذه الرحلة الخطرة، وهو يخرج من مكّة بهذه الطريقة، وهو مطلوب الرأس، لا يأمن على حياته ولا على حياة أصحابه، إذا به يبشر سراقة ليس فقط بظهور الإسلام على قريش أو على العرب، بل وبسقوط عرش كسرى تحت أقدام المسلمين، وأَخْذ كنوز كسرى غنيمة، “كَأَنِّي بِكَ يَا سُرَاقَةُ تَلْبَسُ سِوارَيْ كِسْرَى”. رابعًا: رأينا حرص رسول الله في كل مراحل حياته، وفي كل خطوات دعوته على مسألة الصحبة، عاش حياته في مكّة بصحبة، وخرج إلى الطائف بصحبة، وقابل الوفود بصحبة، وعقد البيعة التي بنيت عليها دولة الإسلام بصحبة، وها هو يسأل جبريل عن صاحبه في الهجرة، كل هذا، وهو من هو، هو رسول الله، ولكن كل الناس يحتاج إلى صحبة، وهو يعلمنا أن نبحث دائمًا عن الصحبة الصالحة. خامسًا: رسول الله.. القائد والقدوة: وضح لنا في هذه الرحلة كيف أن القائد العظيم صلى الله عليه وسلم كان يعيش معاناة امته، يهاجر كما يهاجرون، يُطارد كما يُطَاردون، يتعب كما يتعبون، يحزن كما يحزنون، يعيش معهم حياتهم بكل ما فيها من آلام وتضحيات، كان من الممكن أن ينقل الله رسوله الكريم من مكّة إلى المدينة بالبراق الذي نقله في لحظة من مكّة إلى بيت المقدس، ولكن أين القدوة في ذلك؟ وأين الأسوة؟ لا بد للمسلمين من طريق عملي لبناء الأمة، طريق في مقدور عموم المسلمين، ولا بد أن يسير في هذا الطريق رسول الله على الرغم من كل المعاناة والتعب. حدث فاصل بين مرحلتين أوضح الباحث الإسلامي نبيه عبد ربه أن الهجرة تعتبر حدثا فاصلا بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية، هما المرحلة المكية والمدنية، ولقد كان لهذه الحادث آثار جليلة علي المسلمين، ليس فقط في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن آثاره الخيرة قد امتدت لتشمل حياة المسلمين في كل زمان ومكان كما أن آثاره شملت الإنسانية أيضاً، لأن الحضارة الإسلامية التي قامت على أساس الحق والعدل والحرية والمساواة هي حضارة إنسانية، قدمت ــ وما زالت تقدم ــ للبشرية أسمى القواعد الروحية والتشريعية الشاملة، التي تنظم حياة الفرد والأسرة والمجتمع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©