الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

احتياط إسرائيل الاستراتيجي

احتياط إسرائيل الاستراتيجي
3 نوفمبر 2011 16:39
نشطت الكتابات الصحفية في الحديث عن التواجد الإسرائيلي في إفريقيا وتحديدا حول منابع النيل، ونسي كثيرون ان هناك جالية يهودية قديمة نسبيا تكونت في جنوب إفريقيا وشاركت في الحكم العنصري بها ولاتزال قائمة وقوية في جنوب إفريقيا الى اليوم، وهذا ما توقفت عنده الباحثة نجلاء عبدالجواد في دراستها التي صدرت مؤخرا حول “اليهود في جنوب إفريقيا.. دراسة في الجذور والتكوين والدور”. مع اكتشاف رأس الرجاء الصالح دخل اليهود لأول مرة الى جنوب إفريقيا كأفراد ثم تكاثروا وعملوا في العديد من المهن، خاصة تجارة المعادن “الألماس” وغيرها، وكونوا ثروات ضخمة، ورغم قلة أعدادهم فإنهم مع الحكم العنصري بعد عام 1910 والهجرات الأوروبية البيضاء الى جنوب إفريقيا صار لهم وجود سياسي قوي عبر الصحافة وفي البرلمان. بداية مبكرة ومنذ بداية الحركة الصهيونية نشطت هذه الحركة بين يهود جنوب إفريقيا حيث تشكل الاتحاد الصهيوني الجنوب إفريقي في عام 1895 ورغم ان أعضاءه كانوا أفرادا محدودين فقد كان لديهم نفوذ واسع، ونشطت الجماعة اليهودية في جنوب إفريقيا للعمل على إقامة دولة إسرائيل في فلسطين، وصحيح ان يهود الجنوب لا يقبلون على الهجرة الى إسرائيل لكنهم يساعدون المهاجرين اليهود من البلاد الاخرى بجمع الأموال الطائلة وفعلوا ذلك مع يهود العراق عند هجرتهم الى إسرائيل، وساعدت أموالهم في بناء العديد من المستوطنات ومع الاعتراف المتكرر من قادة اتحاد جنوب إفريقيا “البيض” بأحقية اليهود في إقامة دولة خاصة ومستقلة لهم في فلسطين فقد تشجع الصهيونيون في الجنوب الإفريقي على ممارسة نشاطهم عمليا وقد تكشف ذلك خلال حرب 1948. قامت دولة إسرائيل على ارض فلسطين في منتصف مايو 1948 وأسرعت حكومة اتحاد جنوب إفريقيا الى الاعتراف بالدولة الجديدة يوم 24 مايو وعملت الجماعة اليهودية في جنوب إفريقيا على توطيد علاقاتها بدولة اسرائيل، فقد تم إرسال طائرتي نقل ماركة “بونانزا” الى فلسطين، فضلا عن كميات من الأسلحة والعتاد الحربي والمواد الغذائية والتجهيزات الطبية والمساعدات المالية وحتى حينما قامت الأمم المتحدة بمنع تدفق الأسلحة على إسرائيل والعرب فإن جنوب إفريقيا أمكنها تهريب الأسلحة الى إسرائيل. ولعبت أموال يهود جنوب إفريقيا دورا بارزا في نمو وتطوير العديد من الشركات والمصانع الإسرائيلية مثل شركة “العال” للطيران وشركة “اتا” الخاصة بصناعة الملابس وشركات التأمين ومصانع التبريد وسباكة المعادن فضلا عن المصارف ويعتبر مصيف اشكالون الذي أقيم مكان مدينة عسقلان العربية على البحر المتوسط شاهدا على الدور الذي قامت به استثمارات يهود جنوب إفريقيا. ولعب يهود جنوب إفريقيا دورا في تأسيس العديد من الكيبوتزات داخل فلسطين قبل قيام إسرائيل وكان هناك رواد عديدون من جنوب افريقيا للاستيطان في فلسطين تمهيدا لقيام الدولة. ولم يكن ذلك غريبا عليهم فقد استوطنوا من قبل جنوب إفريقيا وجاء معظمهم من هولندا أي ان الاستيطان كان عاديا في بنائهم النفسي وتكوينهم العقلي وحين قامت إسرائيل كان عدد اليهود في جنوب إفريقيا يزيد قليلا على مئة ألف، ومع ذلك فقد اعتبر جولدشتاين رئيس اللجنة التنفيذية الأميركية للمؤتمر اليهودي العالمي في زيارة له عام 1959 الى جنوب إفريقيا ان هذا البلد به اكثر الجماعات اليهودية حيوية خارج إسرائيل وهي جديرة بمكانتها. اذا قيست بمقاييس الارتباط بالمعبد والتعليم اليهودي والإخلاص للصهيونية الذي لا يشمل استجابتها لطلبات جمع الأموال لإسرائيل فحسب وإنما يشمل ايضا الهجرة لإسرائيل والاستثمار فيها. نشاط ثقافي ولأن العنصر الانجليزي كان غالبا على البيض الحاكمين في جنوب افريقيا فقد نشط اليهود بينهم ثقافيا حيث صدرت في جنوب إفريقيا صحف خاصة باليهود وتأسست دور نشر أصدرت العديد من الكتب عن إسرائيل واتسعت العلاقات الثقافية بين البلدين وتمت زيارات للفنانين بين جنوب افريقيا وإسرائيل فضلا عن الكتاب والعلماء وأساتذة الجامعات. ويفخر يهود جنوب إفريقيا بأن أول طيار إسرائيلي قتل في حرب 1948 كان متطوعا من يهود جنوب إفريقيا للمشاركة في الحرب، وبعد هذه الحرب ضغط الاتحاد الصهيوني على حكومة جنوب إفريقيا لتدريب الطيارين الإسرائيليين عبر ميناء امستردام وكان ذلك يكلفهم كثيرا وهذا ما دعاهم الى العمل على إنشاء طريق بحري بين جنوب إفريقيا وإسرائيل مباشرة لينقل كافة المساعدات والمعونات الى تل ابيب، وقد اعلن دافيد بن جوريون ان يهود جنوب إفريقيا جماعة صغيرة لكنهم ارسلوا متطوعين عدة ومعونات تفوق اي جماعة يهودية اخرى في العالم، وظلت العلاقة وطيدة بين جنوب إفريقيا وإسرائيل بفضل هؤلاء اليهود. وفي الخمسينيات والستينيات حين أخذ الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر يساند حركات التحرر الافريقية نشطت الجماعة اليهودية في جنوب افريقيا في تصوير عبدالناصر باعتباره عدو الرجل الابيض ويريد ان يفرض الإسلام في افريقيا كلها ويجعلها قارة مسلمة، وهذا ما جعل حكومة جنوب افريقيا تزيد من تعاونها العسكري مع إسرائيل وفق نظرية ان يكون هناك عدو قوي عسكريا لعبدالناصر على حدوده ويستنزفه ويرهقه عسكريا واقتصاديا وحققت إسرائيل استفادة ضخمة عسكريا واقتصاديا، كانت جنوب افريقيا تدرب الطيارين الإسرائيليين وتقوم بصيانة الطيران الإسرائيلي فضلا عن أسلحة اخرى عديدة والمعروف ان جنوب إفريقيا عاونت إسرائيل في مشروعها النووي. الكتاب مهم ودراسة متعمقة مليئة بالمعلومات والأفكار ومشكلة هذه الدراسة انها لم تتطرق الى الوضع في جنوب إفريقيا بعد انهيار الحكم العنصري وظهور نلسون مانديلا. هل انعكس ذلك على العلاقة بإسرائيل وبالقضية الفلسطينية وكيف؟ لكن هذه الجزئية قد تستحق دراسة مستقلة يمكن ان تنجزها الباحثة في المستقبل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©