الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوريا الشمالية .. مشاهد مزيفة يروج لها نظام حديدي يتحكم في تفاصيل حياة ملايين البشر منذ 65 عاماً

كوريا الشمالية .. مشاهد مزيفة يروج لها نظام حديدي يتحكم في تفاصيل حياة ملايين البشر منذ 65 عاماً
31 أكتوبر 2013 21:41
في كوريا الشمالية يتم إخفاء واقع الحياة اليومية وراء واجهات دعائية تم إعدادها بعناية، ومعظم الزوار لا يرون شيئاً سوى عدد قليل من الطرق المعبدة وحفنة، من النصب التذكارية لعائلة تتحكم في حيـاة كـل كــوري شمـالي منذ 65 عـاماً دشـنها الأب فالابن، والآن الحفيد. كنت أنا والمصور ديفيد غاتينفيلدر ، على مدى العام الماضي، عضوين من فريق صغير من صحفيي وكالة أسوشيتد برس تمكن من زيارة كوريا الشمالية بصفة منتظمة. سافرنا إلى المزارع الجماعية، وحضرنا عدداً لا يحصى من الفعاليات السياسية، كما زرنا الأماكن الأكثر شهرة في بيونج يانج مثل صالة البولينج «جولد لاين»، حيث تقذف نخبة سكان العاصمة كرات البولينج المصنوعة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإننا لا نرى في الغالب سوى ما يسمح به مرافقونا والجهات الحكومية ذات النفوذ التي تقف خلفهم في صمت. فهؤلاء يستقبلوننا في المطار وهم من يتكفلون بإيصالنا إليه عند المغادرة. كما ينتظروننا كل صباح في ردهات الفنادق المخصصة لنا، وهي صروح ضخمة بها شيء من الترف وشيدت من أجل الأجانب. مرافقنا الرئيس رجل لطيف وإن كان محترزاً ومتحفظاً لغاية في نفسه؛ واسمه هوْ يونج إيل. وقد كان معنا في متجر للأطفال وأثناء الفعاليات في ساحة كيم إيل سونج. كما رافقنا إلى المطاعم والمصانع. كان السيد هوْ مترجمنا ودليلنا، والمكلف بمراقبتنا بحيث لا نغيب عن نظره لحظة واحدة. فلو أننا حاولنا الإفلات من مراقبته اللصيقة -وهو أمر لم نجرؤ على القيام به بتاتاً- لا شك أن تأشيراتنا كانت ستلغى. السيد هوْ وطني مخلص أيضاً. وإذا وجهت إليه أي طلب غير متوقع، مثل زيارة معرض لبيع السيارات أو حضور محاضرة تاريخ في الجامعة، فإنه يُقابل في الغالب بتحذير مفاده أن «هذا الأمر قد يكون صعباً». وفي معظم الأحيان تعني هذه الجملة عدم الموافقة. من الصعب تحديد نسبة الواقع والحقيقة في ما يسمح لنا السيد هوْ برؤيته. في أحد الأيام أخذَنا في زيارة لزوجين من الطبقة العاملة، اقترنا حديثاً في شقتهما الجديدة والمكونة من ثلاث غرف نوم مع تلفاز بشاشة مسطحة بقياس 42 بوصة. تقع الشقة في أحد المجمعات السكنية في مدينة بيونج يانج ويتميز شكلها الخارجي بقرميد مزخرف باللونين الأزرق والأبيض من النوع المُستخدم في الحمامات. شُيدت هذه الأبراج الراقية بالقرب من نهر تايدونج لإيواء النخبة القليلة في «حزب العمال الكوري» الماسك بزمام الحكم منذ فترة طويلة. غير أن السيد هوْ أراد أن يثبت لنا أن تلك الأبراج السكنية مفتوحة أمام الجميع إذ أخبرنا أن الزوجين حصلا على الشقة لأن الزوجة، مُون كانج صن، نالت وسام «بطلة الجمهورية» بفضل أدائها المذهل في رفع إنتاجية مصنع للنسيج. مُون امرأة رزينة ويوحي شكلها بأنها أكبر بكثير من سنها التي تجاوزت الثلاثين بقليل. كانت تجلس بهدوء بينما زوجها كيم كيوك، الفني في ذات المصنع، يتحدث قائلا: «يشكل شعبنا كله ما يشبه عائلة واحدة كبيرة يؤدي فيها القادة دور الآباء». ثم أضاف وهو يفرك أصابعه بعصبية إن شقته تعد برهانا على رعاية النظام للشعب. وكان ذلك على مسمع من ثلاثة أشخاص: مرافقان ورجل طويل القامة متجهم الوجه لم يُبال أحد بتعريفنا به. ففي بلد يُعد فيه لقاء الأجانب دون إذن رسمي أمراً غير قانوني، من الواضح أن حجم الضغط على الزوجين كان هائلاً. هنالك دوماً أسئلة لا يمكنني طرحها، ومنها على سبيل المثال: هل يعيش الزوجان حقاً في تلك الشقة؟ وإن كانا كذلك، هل يُطلب منهما دوماً إبقاؤها في حالة جيدة ليراها الأجانب، بوصفها مثالاً حياً لوعود كيم جونج أون في تحقيق الرخاء لشعب اعتاد الفقر والمجاعة؟ هل جميع جيرانهم من نخبة الحزب؟ لقد تعلمنا أن ما نراه في الطريق يكون في كثير من الأحيان كاشفاً وواضحاً أكثر من الوجهة التي نقصدها. وعلمنا أن اللحظات المكشوفة يمكن إدراكها في الصور الملتقطة من نوافذ الحافلة، وأن انعطافاً في الاتجاه الخطأ يمكنه تقديم تفاصيل بائحة وكاشفة؛ تماما مثل المرة التي انحرف بها سائق الحافلة خطأً من أحد شوارع بيونج يانج التي يتم الاعتناء بها إلى طريق ضيق ومترب تتخلله الحفر وتصطف على جانبيه مبانٍ لا إنارة فيها. أو عندما لمحنا في إحدى الليالي برجا سكنيا متعفناً وبه شقق أُنيرت كل غرفة منها بمصباح واحد غير مغطى يرسل ضوءاً أصفر خافتاً يبعث على الكآبة. كما خرجنا من أجواء الرخاء النسبي في بيونج يانج لنقتحم عوالم المدن التي تَعدم البنايات الشاهقة أو العصرية، حيث تحوي المتاجر شبه المظلمة رفوفاً نصف فارغة. «ذهب مع الريح» وسيلة تسلية وعزاء للكوريين الشماليين بعد العديد من اللقاءات، من السهل تصديق رسم الكاريكاتير الذي يصور الكوري الشمالي في هيئة إنسان آلي يشبه الزعيم السوفييتي الراحل ستالين. لكن التحدي يتمثل في إيجاد الحقيقة العارية من كل زيف أو مراوغة. ولهذا الغرض، يتطلب الأمر أحياناً إثارة موضوع يدفع الكوريين الشماليين لفتح قلوبهم والتعبير عمّا يخالج صدورهم أكثر فأكثر. ويمكن القول إن الفيلم الأميركي «ذهب مع الريح» واحد من تلك الموضوعات. فهذه الأمة تنشد ضالتها في استرجاع ذكريات الرواية التي اقتُبس منها الفيلم والمكتوبة قبل 77 عاماً، إذ ترى صورتها منعكسة في جوانب كثيرة من حكاية الحرب الأهلية والمرأة الجميلة والقاسية التي عاهدت نفسها على ألاّ تجوع مرة أخرى. وتفيد التقديرات بأن أكثر من مليون كوري شمالي قد لقوا حتفهم أو فُقدوا في الحرب الكورية، كما هلك مئات الآلاف خلال مجاعة التسعينيات التي مزقت البلاد. وقامت الحكومة لأسباب لم تكن واضحة، بترجمة هذه الرواية في منتصف التسعينيات، عندما كانت كوريا الشمالية تكافح من أجل البقاء دون المساعدات السوفييتية، وكانت المجاعة آنذاك ضاربة أطنابها في البلاد والعباد. وفي هذا البلد حيث القليل من الخيارات الترفيهية يفلت من بين براثن البيروقراطية الدعائية، تمكنت الرواية المترجمة من ترسيخ وجودها في العاصمة؛ فصار من النادر في الوقت الراهن أن تجد شخصاً بالغاً في بيونج يانج لم يقرأ رواية «ذهب مع الريح». لقد بات الكتاب وسيلة تسلية وعزاء ومصدر إلهام، وكذلك نافذة على حياة أميركا. مواطنو كوريا الشمالية لا يتحدثون بصراحة وحرية إلا خارج حدودها من الضروري أن ترحل خارج البلاد -إلى كوريا الجنوبية أو بريطانيا أو الصين- لتجد الكوريين الشماليين الذين يستطيعون التحدث بحرية عن واقع الحياة تحت نير حكم شمولي. ومن هؤلاء عامل سابق في منجم للفحم فرّ إلى سيؤول عام 2006 لأن والده كان مشتبهاً به في قضية سياسية. يقول: «عندما أرجع بذاكرتي إلى الماضي، أتساءل لماذا كان علينا أن نعيش هذه الحياة الكئيبة». ويصف اللاجئون الكوريون الشماليون نظام الحكم بأنه طبقي مستتر يقوم على أساس الخلفية الأيديولوجية، إذ يمكن سجن ثلاثة أجيال من العائلة نفسها إذا ما أدين أحد أفرادها بارتكاب جريمة سياسية. ويعد عامل المنجم السابق واحداً من حوالي 25 ألف كوري شمالي هربوا إلى كوريا الجنوبية منذ الحرب (1950-1953). لقد فروا من الفقر المدقع داخل دولة بوليسية مغلقة تمارس القمع السياسي. وتقدر الأمم المتحدة أن ثلث الأطفال في كوريا الشمالية يعانون من سوء التغذية المزمن. ولكن عدد اللاجئين انخفض انخفاضا كبيرا منذ أواخر عام 2011، عندما شدد كيم جونج أون الإجراءات الأمنية على طول الحدود الصينية التي تمتد على مدى 1416 كيلومتراً، وكانت في وقت مضى سهلة الاختراق. وفي عام 2012 لم يستطع سوى 1500 كوري شمالي تقريبا خوض هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر. النص كاملاً في مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» العربية - أكتوبر 2013
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©