السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صياغات نجاة مكي البصرية تكسر المألوف ولا تلغيه

صياغات نجاة مكي البصرية تكسر المألوف ولا تلغيه
14 نوفمبر 2014 23:20
مجدي عثمان (القاهرة) ابتكارات بصرية، افتتان ولعب ومغامرة، هكذا تبدو فكرة الفن لديها، بين أزرق دائم وأصفر متصل ورواح بين الأخضر والأحمر تنتج أعمالها، تدير لوحتها بتراكم الخبرة وممارسة التجريب، تتكئ على تراث خاص ودرس منهجي انتظمت به في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة فترة الثمانينيات من القرن الماضي، تختزل طبيعة الأشياء في اللون بمساحات عرضية، كثيرا ما تخدش امتدادها بمفردات الخط، خاصة الزجزاج منه، تفضل الدائرة وتستعملها بوفرة في خط أو اكتمال شكلي منتظم، تنثر الوحدة الزخرفية على عموم مسطحها التصويري، واضحة تماما أو مخفية تعترضها مساحة لون خارجة منها أو منحوتة عليها، لتربط بين ذاكرة البصر التراثية وآنية اللحظة الراهنة.. هذا ما تشي به الصياغات البصرية عند الفنانة التشكيلية الإماراتية الدكتورة نجاة مكي، في معرضها المقام حاليا في القاهرة..تمارس نجاة مكي بناء اللوحة بفكر سبق، يسقط بالدفقات المتتالية تحت شحنة من الوجد والانفعال اللحظي، والتجريد لديها ليس أساس الفعل الفني، وإنما هو تعميم لمشهد مكدس بتداعي أيام فائتة، فالبحر أزرق وأخضر والصحراء بدرجات الأصفر في استخدام حذر، لا سبيل للآدمي في أعمالها غير المرأة شغفها الأول، هي في الدائرة، في موجة بحر، في جسد يصعد من أسفل لأعلى اللوحة بين الوسط واليمين واليسار، له حضور فاعل يرتبط بتخصصها الأول «النحت» كتلة محددة الشكل. التقيت الفنانة الدكتورة نجاة مكي في معرضها المقام في قاعة «الباب- سليم» بمتحف الفن المصري الحديث على هامش الدورة الـ 36 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي افتتح فعالياته بفيلم «أحمر أزرق أصفر» عنوان معرضها أيضا، وآخر ما أبدعته المخرجة نجوم الغانم مسجلة بالتوثيق المرئي التجربة الفنية والحياتية لمكي. شاعرية الألوان قالت الغانم: منذ سنوات بعيدة جدا كانت نجاة مكي تعتبر بالنسبة لي العالم الذي لا يمكن اختراقه مهما حاولت الانتظار على بابه، قد تفقد الأمل وأنت تنتظر وقد تتعلم فنا جديدا معها هو الاكتشاف على مهل، لقد تعلمت شاعرية الألوان من خطوطها وتكويناتها وتعلمت الكتابة وأنا أنظر إلى ظلالها، ثم تعلمت أن أحلم وأنا أشاهدها تلتقط صورنا حينما كنا أطفالا، لقد رأيت أول كاميرا في حياتي بين يديها، واستطعت أن أنظر من نافذة تلك الكاميرا إلى الموضوعات التي يمكن تصويرها بفضلها. وتواصل الغانم: في العام 2008 كنت قد بدأت محاولات إقناعها للموافقة على عمل فيلم سينمائي عنها معتقدة انني كنت أعرفها جيدا، وسيكون أمر الدخول إلى عوالمها الشخصية واهتماماتها الفنية هينا بحكم رابط القرابة الذي بيننا، وكان ترددها لسنوات الرد غير المباشر على الاقتراح، والرفض باستخدام الصمت بقي أحد وسائلها المهذبة على إلحاحي المتكرر، وبقي الاقتراح معلقا لزمن آخر حتى دعوتها لحضور أحد الأفلام التي كنت قد أنجزتها في العام 2010، ومن باب المداعبة سألتها من جديد إن كانت جاهزة للبدء بالعمل فقالت بصيغة السؤال: كم سيستغرق من الوقت؟ تجربة مختلفة وتضيف الغانم أن نجاة أدركت فيما بعد أننا دخلنا تجربة لا تشبه أي شيء آخر، إنها تجربتنا في أن يتعرف الواحد منا على الآخر من زاوية لم نكن نقف فيها من قبل أبدا، وبدأنا نلتقي لا للتصوير وإنما للبحث في زوايا ذاكرتها الخاصة ودفاتر تفاصيلها، وكان هناك جمال يحرض دائما على الاكتشاف، فالنحت والرسم والظلال والذكريات، والنساء المتوشحات بالسواد، وصوت الماء، ووقع الخطوات، وهديل الحمام على أسطح البيوت، وحركة اليد المتعبة على الجدار، والشعر المتقاطع مع الدوائر، وهبوط الغربان لتناول طعامها، كما يفعل الموت حين يهبط لأخذ من تتعلق قلوبنا بهم، وترحيب عصافيرها بها حين تعبر أمام قفصهم. التجريد والاختزال ومن جهته قال الدكتور أحمد عبدالغني رئيس قطاع الفنون التشكيلية إن الفنانة نجاة مكي تعد من أهم الفنانات الرائدات في منطقة الخليج، وأن لوحاتها جديرة بالمشاهدة والرصد والتسجيل، فأعمالها تحمل ثراء نوعيا من ناحية الشكل والمضمون، وقد انعكس موروثها التراثي والبيئي، الذي يعتبر جزءا أساسيا ومهما في ذاكرتها الحياتية والثقافية والفنية، انعكس على سطوح أعمالها الفنية، وأن معرضها الحالي فرصة للإبحار في عالمها الخاص، من خلال مجموعة متميزة من أعمالها التي تحتل المرأة بأحلامها وقضاياها وخاصة المرأة العربية جانبا رئيسا فيها، وأن المتلقي سيتعرف على أسلوبها الفني الذي يتسم بمسحة تجمع بين التجريد والتشخيص الاختزالي في منظومة بنائية وجمالية منفردة. أما الدكتورة فاطمة العمري المستشار الثقافي السابق للإمارات فقالت إن وجود فيلم ومعرض «أحمر أزرق أصفر» في مصر له أهمية خاصة، حيث تعتبر القاهرة محطة عالمية تختلف عن أي مدينة أخرى، فقد أصبح مهرجان القاهرة السينمائي من المهرجانات التي يهتم المبدعون باختلاف تخصصاتهم بالاشتراك فيه والتواجد به، ومشاركة مكي في هذا الحدث الضخم هو تكريم خاص ترغب به وتستحقه، وأن مكي نتاج حضارة مصر العظيمة ودولة الإمارات، وليس غريبا أن تكرم مصر نجاة، وأن تبدع هي في مصر، بعد أن درست وتعلمت المبادئ الأولى للفن بمصر. توثيق التجربة وعودة إلى الفنانة نجاة مكي التي اهتمت بتصحيح ما يتم تداوله عنها دائما من أنها أول امرأة إماراتية تتخصص في الفن التشكيلي أوضحت أنها أول من حصلت على درجة الدكتوراه في مجال الفن التشكيلي وأن هناك فنانات رائدات سابقات في الإمارات، وإنهم مجموعة بدأت على تقارب زمني. وتقول مكي إنها لا تستطيع الحكم على فيلمها وتترك ذلك للنقاد والجمهور لتقييمه، وليست لديها دراية بفوز الفيلم بجائزة من عدمه في الدورة الحالية لمهرجان القاهرة السينمائي، وإنه يكفيها المشاركة بالمهرجان وهو ما تعتبره جائزة في حد ذاته، وأن ما يهمها كفنانة هو ما جاء به الفيلم من توثيق لتجربتها الفنية، وأن أي إنسان له إيقاع خاص يميزه، وأن الفيلم يتحدث عن كل تفاصيل الحياة التي عاشتها ويختص بالأساس على تجربتها الفنية والتركيز على ذلك الجانب الإبداعي، حيث الفن أصبح يأخذ جزءا كبيرا من حياتها، في المعايشة بينها وبين لوحاتها وبين اللون، وأدواتها الفنية، وذلك هو المناخ العام الذي يحيطها، وهو ما لخصه عنوان الفيلم وصار كاشفا عنه. وتعتبر مكي أن البحر، الذي لا يغيب عن فيلمها، رفيقا، وأنه دائما واقعا أو ذكرى، وكلما وقفت على البحر استقت منه أفكارا وألوانا لأعمالها، واستقت منه العمق والقوة، وأن كل جماليات الكون موجودة في البحر، حيث يتغير كل يوم لونا وشكلا، وهو غذاء بصري للفنان، وأن اللون هو الحياة وبدونه تنعدم الرؤية، ومن خلاله كرمز تدرك طبيعة الأشياء ومضمونها. ولا تفضل مكي التعامل المباشر مع التراث، وتجد أن اللون يوفر عمق التعاطي معه، فالأزرق بدرجاته يداعب خيال روح الأيام الغائبة والمتوارية في الماضي فيصف البحر الذي رأته في تلك الأيام الخوالي وعند إضافة الأبيض إليه توصف حركة الموج، ومن خلال تلك الطريقة المرمزة والموحية يمكنها أن تجسد التراث بصفته الأصيلة، وبمضمون لوني خاص أو بإحالته إلى مضمون إيقاعي من خلال الخطوط المتعددة. وحين سؤالها عن اختيارها لموضوع القيم الجمالية والتشكيلية على العملة المعدنية كدراسة تحليلية مطبوعة عام 2013، وهو الموضوع نفسه الذي نالت عنه درجة الدكتوراه في فلسفة الفن، قالت إن العملة المعدنية تحمل تاريخا إنسانيا عريقا وعميقا في آن، ولم يلتفت إليها الكثير من الناس، والتي توضح كيف استقى الإنسان القديم أفكاره ورموزه وجسدها على وجه العملة المعدنية، وترك فنا قديما من خلال قطع صغيرة من المعدن. الألوان والطاقة تجد نجاة مكي أن الفنان عليه التزام تجاه مجتمعه في تنمية الوعي الجمالي لديه، وأن كل مجتمع له جمالياته وخصوصيته، ولا تغفل من أجل ذلك دورها مع المتلقي وعدم النأي عنه وإمداده بالمعلومة التي تقربه من الفن التشكيلي وتجذبه إليه من خلال توضيح المواضيع التي يتناولها الفنان والتصميم واللون والتقانة. وتقول إنه بخلط لون مع لون آخر يزيد الأول طاقة ويتبادل معه الثاني تلك الطاقة كقيمة مضافة، وأن بعض الألوان المبهجة تعطي للمتلقي طاقة روحية، ومن قبله الفنان أثناء عملية الإنتاج الفني نفسه، ويدخل ذلك ضمن ثقافة اللون لدى كل فنان، والتي تختلف بين فنان وآخر، وتتضح في مقدرته على إيصال المعنى من خلال لون أو كتلة أو خط، وهو ما يرتبط بخبرة الفنان وخلفيته الأكاديمية، إضافة إلى أن كل فنان يطرح أسلوبا يتعلق بالبيئة التي عاشها وظروفه الخاصة. وأشارت إلى أن خروج الفنان على المألوف في شكل العمل الفني مساحة وإخراجا يكسر نمطية تقديم الشكل التقليدي للمتلقي ويحفز تفاعله معه ويخلق حالة من المفاجأة والدهشة لديه، والتي هي جزء مهم وأصيل في العملية الإبداعية، كما يمكن أن يكون العمل الفني بالانتخاب من عناصر الطبيعة أو الأشياء التي أثرت عليها عوامل الزمن المختلفة. وأكدت على اهتمامها بعنصري المجتمع المرأة والرجل على حد سواء دون التحيز الذي يرافق اسمها من أنها تعتبر قضايا المرأة من أولوياتها قائلة إن المرأة هي الحياة والعطاء وأساس البيت وعليها اتكالات كثيرة في بناء جيل جديد. الشوق إلى التكوينات الأولى عندما تتحدث الدكتورة نجاة مكي عن ذكرياتها، فإنها تؤكد أن أي إنسان حينما يتوقف مع نفسه أو يتواجد في مكان أو بيت شهد ميلاده وعاش فيه طفولته، يظل موجودا في ذاكرته باعتباره التكوين الأول له، حتى إذا ترك المكان حيث إن ظروف الحياة وتطورها لابد أن يشمل تغيرات طبيعية في سياق الزمن. وتقول إن الذكرى تمثل منبت تكوينها الفني في شكل الحي والبيوت وموتيفاتها الزخرفية كمؤثرات استقت منها تجربتها الفنية، كما أن الذكرى ليست ذلك فقط وإنما هي ارتباطها بشكل المكان وبجدار البيت، فرغم أنه مصمت إلا أن هناك شوقا إليه، وارتباطها أيضا بألوان البحر والسماء، وصوت الشارع، وأن ذلك كله لابد وأن يظهر في أعمال الفنان فهو ابن بيئته ومحيطه، والذكريات سواء أكانت لطيفة أو مؤلمة لها وقعها الخاص على كل إنسان، ولها مكانة خاصة أيضا، والذكرى المؤلمة ربما تظهر في العمل الفني من خلال خط أو مساحة، وأحيانا تأتي دون قصد من الفنان. لا لـ «الفيديو ـ آرت» تشير الدكتورة نجاة مكي إلى تأثر الإنتاج الفني بوسائل التكنولوجيا الحديثة وإفادته منها، وتقول إن وسائل التكنولوجيا تطور تجربة الفنان وتعطيه أفكارا جديدة وتثير تتالي الفكرة لديه، ولكنها تعترض على فنون الفيديو آرت ومنتجات الكمبيوتر المباشرة من حيث التدخل فيها تقنيا فقط وبشكل مجهز، في حين ترضى باستخدامه بالتكوين في خطوات متتابعة بالحذف والإضافة، بالاستفادة من التقانة وليس سيطرتها على الفنان، وإنه يجب أن يكون له فعل مع ذلك الجهاز كأداة مساعدة توظف لخدمة العمل الفني والفكرة، وتوفر الوقت بسرعة الإنجاز، إلا أنها رغم ذلك لا تعطي منتجه صفة العمل الفني على اكتماله وإنما تعتبره عملا فنيا خاصا بالكمبيوتر، حيث يفتقد إلى الحياة والروح، وهما ما يمكن إضافته عليه فتكتمل صفته، وأن إيقاع الحياة السريع فرض على الفنان إنتاج اللوحة «السريعة» وهو ما يهتم به الفنانون الشباب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©