الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشجرة الطيبة

6 مارس 2007 01:39
كان للكلمة من قبل همس مسموع وأثر مدوٍ، أما الآن فغاب الهمس ودوى الصراخ والضجيج، وتفشت الثرثرة، وغاب الحس المرهف ومتذوقو الكلمة، ففقدت وقعها على مسامع العامة وأضحت حاضرة معنا في كل خطانا معلقة بين ألسنتنا، نتحدث بها بما يزين منها وما يشين، دون ترو وتؤدة، دون أن نعقل ما نقول، أصبحت كالداء العضال الذي تمَلّك ألسنتنا واستشرى في نفوسنا، وإذا وجدت من يؤثر وقعها في نفسه ألما فجرحت مشاعره، رد عليه قرينه (ياعم أهو كلام)، وهذا خير مثال على ما آلت إليه الكلمة بيننا، ولذلك اختلط الحابل بالنابل وأصبحنا لا نميز بين الكلمة الصادقة والكاذبة الخداعة، ولا نتذوق أسرارها ومغزاها ومفاتنها وسحرها، فغاب وقعها في النفوس وتطاول عليها الجاهل والوضيع والغبي، ولم تسلم من بعض العلماء والمتكلمين والأذكياء فتعالى السوقي منها والبذيء ليخدش أسماعنا وربما لا يؤثر فيها ولا يصيبها بأذى لأنها اعتادت عليها فصارت تطرب لسماعها والقليل القليل من الناس يقدرها ويعلي من شأنها، زاهدا فيها يعدها كدرر عالقة بلسانه أو كرصاصات يخشى من إطلاقها حفاظا على حياة الآخرين· ولكن ما أكثر الذين يجهلون أثرها ووقعها، فلا يقدرون مكانتها ولا يحسنون التعامل معها والتحدث بها، ولا يتذوقون حلوها وعذوبتها من مرارتها وملوحتها، فالتذوق نعمة عظمى، وهي طهارة للنفس والقلب والسمع واللسان، ومصعد إلى الجنة ونجاة من النيران، فعلينا أن نهذب ألسنتنا ونعفها عن قول الخبيث والفاحش والبذيء من الكلمات، وننقي دلاءنا حتى لا تتساوى الكلمة الخبيثة بالطيبة، وكلمة العالم بالجاهل، وكلمة الصادق بالكاذب، وكلمة العاقل بالمجنون، والبر بالفاجر، والكاتب بالسوقي والوضيع· علينا أن نفكر جيدا في الكلمة قبل التلفظ بها، حتى لا تجرح الآخرين، وأن نتذوق أثر الكلمة المسموعة والمقروءة، ونعمل بما هو نافع ومفيد منها، وكفانا ثرثرة وتجاهلا لما نقرأ، أو لما نكتب ويكتب الآخرون، وجنبكم الله شر الكلمة الخبيثة والتلفظ بها أو سماعها، وأختم مقالي بقول الحق سبحانه وتعالى ''مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء······ ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة·····''· محمود عبدالباقي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©