الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«إيريك رولو» في كواليس الشرق الأوسط

26 أكتوبر 2015 23:06
ظننت أنني سأنعم بقراءة كتاب عن ذكريات صحفي بارز «مثل إيريك رولو»، يعرف العالم العربي في رؤاه الخارجية، حتى تشمل علاقاته الإفريقية، أو في صراعاته التي لا تتوقف، خاصة أن الذكريات المشار إليها فى مطلع الكتاب تبدأ من 1952 وحتى عام 2012... ولكنني وجدت عالماً خاصاً، «وإيريك رولو» ( 1926- 2015 )، ليس بالشخص البسيط، في صلته بما يعلم، فهو الصحفي والكاتب الذي ظل العالم يتابع كتاباته بعناية على مدى أكثر من نصف قرن عبر صحيفة «لوموند» الفرنسية، وهو اليهودي المصري الذي أبعد عن مصر منذ 1951 «كيهودي يساري»، لكنه يعود إلى القاهرة 1963 بدعوة خاصة من «جمال عبد الناصر» تتم لأول مرة مع صحفي أوروبي ليحمله رسالة إلى «الغرب» عامة، وإلى «فرنسا ديجول» بوجه خاص، بأن مصر التي تبني نفسها بعلاقات متنوعة مع العالم الخارجي، تعتبر العلاقات مع «الغرب» ليست مضادة بالضرورة لعلاقاتها مع «الشرق» في ظل المشروع القائم عن عدم الانحياز. كان عبد الناصر يجيد إقامة هذه العلاقات مع شخصيات صحفية وكتاب، مثل علاقته مع «ديفيد هيرست» من «الجارديان» التي خصه خلالها بأهم الأخبار والمواقف، ومثلها مع مفكرين مثل «شارل بتلهايم» و«رودونسون»..الخ، ممن كانوا مصادره أيضاً في التفكير، ومعرفة العالم، وخاصة في الغرب. كنا نحن الباحثين، في مواقع العمل السياسي الرسمي نفهم الكثير من هذه المقابلات عند نشر «المسموح» منها، لذلك لم أدهش لقول السفير الجزائرى المعروف الأخضر الإبراهيمي في تقديمه للترجمة العربية لكتاب إيريك رولو «فى كواليس الشرق الأوسط» (2015)، بأنه يشكل للجيل العربي الناشئ مرجعاً ثميناً. ومن اقترب من «إيريك رولو»، ولو اقتراباً طفيفاً مثلي، يعرف قدر الرجل، كما يقدر روحه العالية في تفهم الواقع المأساوي العربي أيضاً، وكنت قد التقيته في باريس مبكراً، ثم التقيته بمودة خاصة في القاهرة عام 2007 مدعواً من قبل مركزنا «للبحوث العربية والإفريقية» وعدد من المنظمات الأوروبية منها «روزالوكسمبورج»، و«لوموند» نفسها التي جاء مدير تحريرها مع «إيريك رولو»، وعدد من شخصيات اليسار الأوروبي في حوار مع شخوص اليسار العربي مما كان كبير الفائدة، وشهد حواراً فكرياً عالمياً حول مشاكل العالمين. في هذه اللقاءات يستطيع المرء أن يتفهم كيف يكون الأوروبي موضوعياً، والكاتب المخلص لمهنته مفيداً، لو خلصت نيته، وقد بدا لي «إيريك رولو» من هذا القبيل، خاصة عندما يتأمل المرء تعبيره الصريح وليس مجرد أسرار «الكواليس» في عالمنا العربى ومناوراته من جهة، ويرى كل صباح ما يجري للشعب الفلسطيني الذي طحنته الآلة الصهيونية، في أرضه وشبابه ومستقبل مشروعه الوطني. من جهة أخرى، تحت نظر كل القوى العربية المتصارعة! لقد رأى «إيريك رولو» منذ حضوره لمصر عام 2007 وحتى الآن أن الحديث بشأن فلسطين «لا يجري إلا عن عملية الاستيطان، وليس عملية السلام. لأن اسرائيل لم ترجع طوال عمرها أي متر واحد من المساحات التي احتلتها عسكرياً في فلسطين.. ولذا لا يجب أن يرتاح العرب لحديث الاشتراكيين الأوروبيين عن عملية السلام». وفي حديثه عن تغلغل الأميركيين والإسرائيليين في العالم العربي، إنما يرجعه في أكثر من نص إلى انعدام تأثير العالم العربي وأوروبا على الساحة الدولية، وتمتع الولايات المتحدة بآلاف القواعد العسكرية في العالم وخاصة في العالم العربي، والغريب أنه في ملاحظات حديثة عن ضعف أوروبا، حيث لا تتمتع القضية الفلسطينية مثلاً بأي تأثير، وهي تدفع مليار يورو سنوياً للفلسطينيين! هو يرى تاريخ التعاون العربي الإسرائيلي نفسه ليس حديثاً، لأن ثمة مساعدة متعددة الصور قدمتها الدولة العبرية للقبائل الملكية فى اليمن منذ عام 1962 في خدمة مصالحها ومصالح الولايات المتحدة والسعودية. وينبه «إيريك رولو» إلى الخطورة المشتركة لقوة التيار الديني والإسلام السياسي في العالم العربي من جهة، ونفس التيار الديني المتطرف بين المستوطنين الإسرائيليين ذوي النفوذ في إسرائيل من جهة أخرى، مع شرح ذكي وعميق للفرق مع الإسلام أو الوجود الموضوعي للإسلاميين في المجتمعات العربية والأوروبية. «إيريك رولو» عبر أكثر من 350 صفحة، يشبع القارئ بكثير من مفاجآته المعلوماتية. وهو دائم التنبيه إلى ضعف المفاوض العربي حتى اتفاقية أوسلو التي اعتبرها عرفات – وفق نصه «نهاية فصل من الآلام والعذاب»، بينما بدت «لرولو» بعد ستة شهور أنها كانت محض رؤية ذهنية.. وإن شيئاً لم يتغير على الأرض إن لم يكن ازداد سوءاً! وبعد أن يشرح حدود «السلام الاقتصادي» الذي تنشده السياسات الإسرائيلية لا أكثر وفق نظرة استيطانية تسيطر عليها، يقول في النهاية إنه لم تتحقق النبوءات العربية أو الإسرائيلية: فلم يبتلع العالم العربي إسرائيل، ولم تشهد الدولة العبرية كوارث منفصلة. وحيث كنت أتصور أنني سأجد أيضاً مفاجآت عن علاقة العرب بالعالم المتنوع، وجدت فقط معارف كثيفة عن مصر وإسرائيل والحركة الفلسطينية. حلمي شعراوي* *مدير مركز البحوث العربية والإفريقية - القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©