الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإنصات..فن الاستماع إلى ما وراء الكلمات

الإنصات..فن الاستماع إلى ما وراء الكلمات
21 أكتوبر 2012
هناء الحمادي (أبوظبي) - ينشغل كثيرون هذه الأيام في البحث عن مهارات لكسب الآخرين والتأثير عليهم، ليتعلموا في سبيل ذلك تقنيات معقدة، ولكن، كثيرا ما تفوتهم واحدة من أكثر المهارات الحياتية أهمية وسهولة، يمكن للجميع ممارستها في أي زمان أو مكان، إنها مهارة الإنصات الجيد، التي تتيح التعرف على حاجات الآخرين والتعاطف معهم، كما أنها تفتح مجالا أكبر للتعرف على من حولنا بصورة أقرب، وبناء علاقات وتواصل جيد مع الآخرين. مهارة سهلة تشير التربوية النفسية دلال جواد إلى أن فن الإنصات يعتبر أحد سمات التحضر وهو ليس فقط مهارة، بل هو أحد مبادئ الإتيكيت وأصول وآداب الحديث والحوار. وتضيف «يا ترى لماذا خلق الله لسانا واحدا وأذنين، لاشك أن الجواب سهل فحاجتنا للأذنين ضعف حاجيتنا للسان بالتأكيد، والإنصات أفضل الطرق لإقناع الآخرين بأن الشخص المنصت لطيف وذكي». وتُعرف جواد فن الإنصات على أنه توجيه الاهتمام لما يقوله الآخر، والاستماع إليه باهتمام حتى لا تضيع كلمة واحدة، موضحة «حين نلتقى بأحد، لابد أن نعرف بالضبط ما يريده، وما يشتكي منه، مع تشجيع الآخر على الحديث. وتشير إلى أن من ينجح في جعل الآخر يتكلم وهو ينصت إليه سيكون قد ساعده على البوح بمشاعره ودوافعه الحقيقية. وتؤكد «الإنصات الجيد هو الاستماع مع القدرة على قراءة ما خلف الكلمات، وفهم موقف المتحدث ولغة الجسم التي يبديها، وتقمص اللهجة العاطفية التي ترسمها كلماته». وتتابع «تخيل أن شخصا ذكر أمامك وفاة أمه، وتحدث عنها وعن فضائلها وفاضت عيناه من الدمع ببكاء حار. المستمع العادي يقدر الحزن الذي يعيشه هذا الشخص، أما المستمع البارع فيفهم الحزن البالغ الذي يعيشه المتحدث، ويقدر مدى الحب الذي يكنه المتحدث لأمه وكم يفتقدها. لعل هذا المثال يوضح الفرق بين الاستماع إلى الكلمات ظاهريا والاستماع لما تحمله من معان عاطفية». آداب وشروط نظرا لأهمية هذه المهارة، يشير خبراء تربويون إلى أن للإنصات آدابا يجب أن يتحلى بها أيضا الطفل أو التلميذ، إلى ذلك، تقول أمل سليمان (معلمة لغة عربية) على الطالب أن يعرف متى يتكلم ومتى ينصت، كما يشترط بالإنصات أن يكون التلميذ صبورا وألا يكون شارد الذهن، وألا يقاطع المعلم ولا يخرج عن رأيه، وأن يطيعه ويتواضع له وإذا غفل عن شيء أو لم يفهمه سأل عنه المعلم بكل أدب، كما يجب على المعلم أن يحاور ويناقش الطالب حتى يبدي ما في نفسه حتى لا يكبت بداخله أي شيء، لأن ذلك يخلق عنده مشكلات نفسية قد تحتاج إلى جلسات علاجية نفسية، كما يجب على الطالب أن ينصت حتى يتيح لنفسه فهم ما يقال ويستطيع ترتيب أفكاره وتنظيمها حتى يبدأ بها حوارا مع معلمه ليصل إلى ما يحتاج إليه من فهم للمعلومات والدروس.‏ وتضيف سليمان أن بعض الدراسات أكدت أن الإنسان العادي يستغرق في الاستماع ثلاثة أمثال ما يستغرقه في القراءة، وهو من وسائل التعلم التي تساعد المتعلم على تلقي المعلومات، وفي حالة الأطفال فإن مدة الاستماع تعد مدة حضانة لبقية المهارات اللغوية لدى الطفل، إذ أن المتحدث يعكس في حديثه اللغة التي يستمع إليها في البيت والبيئة. كما أن أداء المتحدث ولهجته وطلاقته تؤثر في المستمع وتدفعه إلى محاكاة ما استمع إليه. وتتابع «الاستماع هو الأساس في التعلم اللفظي في سنوات الدراسة الأولى والمتخلف قرائيا يتعلم من الاستماع أكثر مما يتعلم من القراءة، بل قد صور أحد الكتاب العلاقة بين مهارات اللغة من حيث ممارسة الفرد لها. وتؤكد أن «الفرد العادي يستمع إلى ما يوازي كتابا كل يوم، ويتحدث ما يوازي كتابا كل أسبوع، ويقرأ ما يوازي كتابا كل شهر، ويكتب ما يوازي كتابا كل عام». صياغة الأفكار ترجع أهمية الإنصات، وفق الأخصائية الاجتماعية نجاة هلال، إلى أنه يساعد على مشاركة الآخرين شعورهم وفهم وجهة نظرهم وتقديرها والتعبير عن الذات وتأكيدها. وتوضح «بالإضافة إلى التدريب على النقاش والحوار الهادف وفهم أساليب التفكير لدى التلاميذ وتعلم أساليب النقد، يبرز تعلم الصبر وعلاج الاندفاعية والتعرف على بعض مشكلات التفكير، كما أن القدرة على الإصغاء تكمن في قدرة الفرد على إعادة صياغة أفكار الآخرين وتصوراتهم وفي قدرته أيضا على تحسس شعورهم مما يتفوهون به من عبارات أو ما يبدو على قسمات وجوههم من علامات وأمارات أو ما يقومون به من حركات وإشارات». وتوضح هلال «يجب على التلاميذ الإصغاء إلى الآخرين وعدم السخرية من أفكارهم، في حين أنهم هم يعجزون عن الإتيان بمثلها، وهذا ما يقوي مهارة الإصغاء عند التلاميذ وحسن الاستماع حتى إذا جلسوا إلى جانب أشخاص آخرين فإنهم يحاولون أن يستوعبوا أفكارهم ويعيدوا صياغتها من جديد، أو يضيفوا عليها أو يبدوا آراءهم بها.‏ أيضا يتيح الإصغاء الفرصة للاوعي المتحدث «عقله الباطن للمتحدث» ليخرج ما به من مشاعر حقيقية، وقد نحتاج لإبقاء أوراقنا غير مكشوفة حتى نطمئن لمن نتحدث إليه. كما أن للانصات فائدة عظيمة وهي أنه يساعدنا على فهم أنفسنا، ويساعدنا على التخلص لفترات معقولة من التمركز حول انفسنا، ويجعلنا أن لا تحتكر أنفسنا كل اهتمامنا بل أن نخرج قليلا لننصت لغيرنا، كما أنه يساعد على التكلم بعفوية مع الآخر والتقرب منهم ومعرفتهم بشكل أعمق».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©