الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متحف آيا صوفيا نموذج لتلاقح الثقافات

متحف آيا صوفيا نموذج لتلاقح الثقافات
20 أكتوبر 2012
متحف أيا صوفيا باسطنبول هو عنوان فريد على تلاقي الثقافات وتفاعلها تحت سقف واحد فهو متحف يمزج في معروضاته بين الفن البيزنطي المسيحي والفن الإسلامي في نسخته التركية العثمانية وبداخله مكتبة تحفل بالمخطوطات العربية والإسلامية ومنها مخطوطات مزوقة بالمنمنمات تعد من روائع أعمال الخطاطين والمذهبين والمصورين المسلمين. أحمد الصاوي (القاهرة) ـ يعود تاريخ تأسيس متحف أيا صوفيا إلى عام 1935، وذلك تنفيذا لأمر رئيس الجمهورية التركية كمال أتاتورك الصادر عام 1930 بتحويل جامع أيا صوفيا إلى متحف يتاح للجمهور. ومن المعروف أن أيا صوفيا كانت في الأصل الكنيسة الرئيسة لمدينة القسطنطينية العاصمة البيزنطية، وبعد سقوطها في يد السلطان العثماني محمد الفاتح عام 1453، تم تغيير اسم المدينة لتعرف بإسلام بول “مدينة الإسلام”، كما حولت الكنيسة لمسجد جامع وزودت بأربع مآذن حجرية، وصلى محمد الفاتح بداخلها ركعتي شكر لله عقب نجاحه في الاستيلاء على عاصمة الروم، محققا بذلك حلم راود المسلمين منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان. تمازج واضح يستطيع زائر متحف أيا صوفيا أن يرى تمازجا واضحا بين العناصر المعمارية والزخرفية البيزنطية، ومثيلتها الإسلامية خاصة بعد إزالة طبقات الجص وظهور لوحات الفسيفساء والرسوم الجدارية البيزنطية، إلى جانب بعض زخارف تيجان الأعمدة التي بقيت على حالتها الأصلية. أما معالم الفن الإسلامي فيمكن مطالعتها أولا في نماذج رائعة من أعمال الخطاطين الأتراك التي تنتشر بين أجزاء أيا صوفيا، ويلفت النظر بينها الكتابات الضخمة المنقوشة بألوان الذهب، والتي تضم لفظ الجلالة واسم الرسول الكريم “محمد صلى الله عليه وسلم”، وأسماء الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ثم الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب. ولعل أبدع أعمال الخطاطين الأتراك تلك التي تسجل آية الكرسي بدائرة القبة الرئيسة لأيا صوفيا. وهناك أيضا بلاطات من الخزف العثماني من إنتاج مدينة أزنيك، وهي حافلة بالزخارف النباتية المألوفة في الفن التركي ولا سيما رسوم زهور الزنبق والقرنفل وشقائق النعمان وثمار الرمان والأوراق النباتية المسننة مع بعض زخارف السحاب الصيني والأقمار والمعروفة باسم زخرفة “تشنتماني”. وببعض هذه البلاطات كتابات بخط النسخ تحوي آيات من القرآن الكريم. ومن أجمل أعمال الفنانين الأتراك ثلاث وحدات معمارية ألحقت بالبناء لتعزيز دوره كمسجد وهي المحراب والمنبر وشرفة المنشدين وجميعها من أعمال الرخام. ويعتبر المنبر المصنوع من المرمر الأبيض من أضخم المنابر المعروفة في العالم الإسلامي ولهذا المنبر ريشتان أي جانبان فتحت بهما من الأسفل ثلاث فتحات صغيرة معقودة وفتحة رابعة مرتفعة لمستوى جلسة الخطيب. زخارف هندسية يحتفي المنبر بريشتيه والدرابزين بزخارف نحتت في الرخام بدقة وقوام الزخرفة فيها أشكال هندسية متداخلة أساسها شكل “الطبق النجمي” الذي كان سائدا في زخارف المنابر الخشبية المملوكية، قبل أن يقتبس الأتراك زخرفة الأطباق النجمية لمنابرهم سواء نفذت بالخشب أو بالرخام. وتتوج جلسة الخطيب قبة مخروطية تشبه نهايات المآذن العثمانية الشهيرة. أما المحراب الرخامي فعلى جانبيه عمودان ضخمان وقد ازدان المحراب بزخارف مذهبة تمثل زخارف نباتية من طراز الباروك والركوكو في الجانبين، وكتابات نسخية تعلو فتحة عقد المحراب ونقرأ في أعلاها “كلما دخل عليها زكريا المحراب” وهو اقتباس قرآني، وبعدها يأتي شريط كتابي به شهادة التوحيد “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، والاقتباس القرآني “وإن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا”. وعلى جانبي حنية المحراب شمعدانان من الفضة. وتبقى المكتبة الملحقة بالمبنى عملا إسلاميا خالصا بدءا من مبناها الحافل ببلاطات الخزف التركي وانتهاء بالمخطوطات المحفوظة بها. وقد أمر السلطان محمود الأول بإنشائها في عام 1739م، وهي عبارة عن قاعة للمطالعة خاصة بالسلطان، ومخزن للكتب بينهما ممر، والأبواب والنوافذ في تلك المكتبة من شبكة برونزية تحمي الزجاج والكريستال، بينما الجدران تغطيها بلاطات من الخزف التركي الباهر الزخارف والألوان والحافل برسوم القرنفل والزنبق وأشجار السرو. وتضم المكتبة عددا من المخطوطات المصورة النادرة ومنها مخطوط من كتاب خواص العقاقير لديسقوريدس وقد تم نسخه وتصويره في العراق في القرن السابع الهجري “13م”. «الحكمة الإلهية» في الأصل كان موقع مبنى أيا صوفيا مكانا لمعبد وثني قديم ثم شيد مكانه الإمبراطور الروماني قسطنطين كنيسة مسيحية، عند تبني الإمبراطورية الرومانية، في عهده، للمسيحية، وقد احترقت الكنيسة في أحداث شغب. وفي العام 532م، بدأ الإمبراطور جستنيان بإقامة كنيسة “آيا صوفيا” بشكلها الحالي، حيث استغرق البناء نحو خمس سنوات، إذ فتحت للصلاة في العام 537 م. وبنيت الكنيسة، معماريا، بشكل مبتكر، من قبل المهندسين ميليتوس واثيميوس، وهما من آسيا الصغرى، وقد اعتبرت عند بنائها آية في الجمال والروعة. أقيمت الكنيسة على الطراز “البازيليكي”، حيث بلغ طولها 100 متر، وارتفاع قبتها 55 متراً، وقُطر القبة 30 متراً. وقد كانت القبة بعد إنشائها تبدو وكأنها معلقة في الهواء، كما أطلق عليها في ذلك الوقت اسم كنيسة “الحكمة الإلهية”. واستمرت الكنيسة كأحد مراكز الدين المسيحي لمدة 916 عاما، وتحولت إلى مسجد لمدة 477 عاما تمتد فيما بين عامي 1453 و1935م. وأدخلت على أيا صوفيا عدة تعديلات معمارية وزخرفية لتناسب استخدامها كمسجد من ناحية، وللتغلب على المشاكل المعمارية التي صاحبتها منذ تشيدها. ويرجع الفضل للمعمار التركي الشهير سنان في حماية القبة المركزية من السقوط بالدعامات الساندة التي زود بها البناء في بداية القرن العاشر الهجري “16م”، والتي لم يحتاج المعماريون بعدها لإجراء عمليات تدعيم للقبة، إلا في منتصف القرن الـ 19 ثم في عام 1930 عند الشروع في تحويل الجامع إلى متحف؛ إذ تم عمل عصابات حديدية حول بناء القبة. ولما كانت الكنيسة البيزنطية حافلة بالتصاوير المسيحية سواء المنفذة بالفسيفساء أو بالجص الملون “الفريسكو” فقد أضاف العثمانيون طبقة من الجص الأبيض فوقها كما قاموا بإضافة بلاطات من الخزف التركي لكسوة أجزاء من جدران المسجد، وزودت أيا صوفيا أيضا بمحرابين ومنبر من الرخام فضلا عن المآذن الحجرية حول أركان البناء. أضواء في أيا صوفيا وبالتحديد في الفناء الخارجي بعض الإضافات العثمانية المهمة، ومنها نوافير ماء من المرمر، ومدارس صغيرة لتعليم قراءة القرآن، ومقابر لعدد من سلاطين آل عثمان وهي جميعا من الأعمال المعمارية التي تمتاز بزخارفها المترفة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©