الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الاعتدال.. والحوار بين الأديان

3 مارس 2007 01:37
الجزائر ـ حسين محمد: احتضنت ''المكتبة الوطنية الجزائرية'' في العاصمة الجزائرية مؤخراً ندوة ''الحوار بين الأديان'' بحضور عدد من القساوسة الفرنسيين والعُلماء المسلمين الجزائريين، واستقطبت الندوة مئات المشاركين من الباحثين والمهتمين بالفكر الديني· بدأت الندوة بكلمة للدكتور أمين الزاوي، مدير المكتبة الجزائرية، الذي رافع عن أهمية غرس ''ثقافة الإنصات إلى الآخر واحترام رأيه''، وقال إن هذا النوع من الثقافة إن هو إلا عماد الحوار والسبيل الوحيد لإيجاد نقاط تلاق مع الآخر، ودون ذلك يبقى عبثياً لا طائل منه· وأكد أن الديانات السماوية الثلاث تتعرَّض للتشويه من قبل السياسة، وهي تفسدها دائما، وهذه الحوارات ''تعيد للدين سلطته الروحية والاجتماعية أيضا''، وتمنى أن يبقى الحوار قائماً ويحقق نتائج ملموسة· وأحال الكلمة بعد ذلك للأب هنري تيسيي، فاعترف بأن ما يحدث في العراق وفلسطين ألقى بظلاله القاتمة على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، ولكن يجب منح فرصة للمعتدلين لتجسير الهوَّة، وعدم الإنصات للمعارضين والمتطرفين، مشيراً إلى أن المتطرفين يشوِّهون صورة الإسلام، ويعطونه طابعاً أصولياً متزمتاً لا يقبل الحوار مع الآخر إلا بالقوة، وهذا خطأ فهناك معتدلون من عُلماء ومفكرين يجب إقامة جسور التواصل معهم· وأحيلت الكلمة بعدها للباحث د· عز الدين قاسي، رئيس المجلس الجهوي للديانة الإسلامية في فرنسا، فقرأ العديد من الآيات القرآنية التي تحث على التسامح والصفح الجميل والتعارف بين الشعوب وعدم مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، ليصل، في النهاية، إلى التأكيد على ضرورة مواصلة الحوار بين المسلمين والمسيحيين للتخلص من الأحكام المسبقة، والسماح للأجيال الصاعدة بالعيش في أمان وسلام· وللوصول إلى ذلك، دعا الطرفين إلى ''تطوير الروح النقدية'' لديهم، وممارسة ''النقد الذاتي'' لمراجعة تاريخهم وماضيهم والتحضير للمستقبل· وشاطر رأيَ هنري تيسيي في أن الحوار سيصدّ دُعاة العنف والتطرف، ودعا إلى تفادي الخطابات التحريضية· أما الكاردينال بارباران فيليب فركَّز على صداقة الأمير ''عبد القادر الجزائري'' مع العديد من القساوسة الكاثوليك بفرنسا التي قضى بها سنوات بعد أسره وسجنه قبل نفيه إلى سوريا· وضرب مثالاً آخر بالتعايش الهادئ بين المسلمين والمسيحيين بمدينة ''ليون'' الفرنسية حيث يقيم، ودعا بدوره إلى نشر السلم والأمان بين الشعوب مذكراً بأن (القرآن) يبدأ ب''الرحمن الرحيم''؛ فالرحمة صفة إلهية ينبغي أن تسود بين عباده باختلاف مللهم وأيديولوجياتهم، وقال: إنه يمكن الاتفاق بين المسيحية والإسلام في المسائل الروحية والأخلاقية، وفتح حوار حول المسائل الإيديولوجية· بعد ذلك، فسح الكاردينال فيليب المجال للجمهور، وركَّز المتدخلون على قضايا فلسطين والعراق، وعلى الإساءات الغربية المتكرِّرة للإسلام، خصوصاً ''أزمة الرسوم الكاريكاتورية''، وتصريحات بابا الفاتيكان، ومدى إعاقة هذه المسائل لحوار الأديان، وقال الدكتور والمفكِّر عمار طالبي: لقد كنا متفائلين بهذا الحوار، وشاركنا فيه من قبل، ولكن منذ تصريحات بابا الفاتيكان، عرفنا أن الحوار انتهى ووضع تحته خط أحمر· وعلق الدكتور طالبي على دعوة الكاردينال باباران إلى الحوار حول المسائل الإيديولوجية بأن ذلك سيعمِّق الخلافات بين الطرفين، والأجدى من ذلك هو التعاون على دفع الظلم، والاعتداء على الإنسان، وتفشي الإباحية، والاستنساخ البشري· ورفضَ أن يُتّهم المسلمون بالإرهاب، كما رفض أن يعمم عليهم العقاب والقمع بجريرة بعضهم· لكن بعض المتدخلين شاطر الكاردينال بارباران رأيه في ضرورة التركيز على ما يفرِّق المسلمين والمسيحيين بغية تجاوز العقبات ونقاط الخلاف باعتبار أن جذورها وأسبابها سياسية ثقافية أكثر منها دينية· ولفت الأستاذ محمد العلمي السائحي انتباه رجال الدين الفرنسيين المشاركين في الندوة إلى أن ردود الأفعال الساخطة على المؤلفات والخطابات التحريضية ضد الإسلام ونبيه الأمين طبيعية ولا ينبغي لوم المسلمين عليها، وقال إن التطرُّف من مختلف الأطراف يمنع الناس من العيش بسلام بغض النظر عن ديانتهم؛ فحتى مسيحيي فلسطين فرَّ بعضهم منها بأرواحهم، ودعا السائحي المثقفين إلى السعي لتوعية الأنظمة السياسية وإقناعها بأن البشرية خلقها الله لتعيش في دعة وسلام ويجب عليها الكف عن الزج بها في متاهات الحروب والصراعات· وتدخَّل بعدها الشيخ عبد الرحمن شيبان، رئيس ''جمعية العلماء المسلمين الجزائريين''، ليدعو الطرفين إلى تجنب خطابات الكراهية المثيرة للأحقاد والفتن، وضرب شيبان مثالاً بالمسيح ''عليه السلام'' حينما مرَّ أمامه خنزير ذات مرة، فقال له: أنفذ بسلام، فقيل له: أتقول هذا لخنزير؟! فردَّ: لا أريد أن أعوِّد منطقي على السوء· ودعا الشيخ شيبان إلى أن ضرورة أن نصون ألسنتنا عن بعضنا بعضا وننتبه لما نقول· وبعد كلمة قصيرة لوزير التعليم العالي السابق مصطفى شريف حول إجبارية الحوار دون شروط مسبقة كبديل وحيد للحروب والنزاعات ومواجهة التحديات المشتركة للإنسانية، ختم د أمين الزاوي الندوة بالقول إن الحوار بين الأديان بدأ، وسنواصله· في إشارة إلى عقد ندوات أخرى لاحقاً، وقد علمنا بهذا الصدد أن الندوة القادمة ستعقد في مارس حول الوجود الإسلامي بالأندلس· أما وزير الشؤون الدينية السابق الدكتور سعيد شيبان فقال بصدد الحروب التي توالت على المنطقة في فلسطين والعراق ولبنان فقال: إنها حروب استعمارية مصلحية غير مرتبطة بالعقيدة· وقال إن الحوار الذي نشطه مع رجال الدين المسيحيين هو في الحقيقة ''حوار متدينين''، فهؤلاء يتحاورون دوماً، ويبحثون نقاط الاتفاق والخلاف بعيداً عن صلب العقائد، وهم ليسوا مسؤولين عن تأجيج الحروب والنزاعات، وإن أدّعى البعض أن الدين هو العامل الأساسي للحروب؛ فالعوامل الرئيسية سياسية استعمارية مصلحية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©