الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتقال إلى الزمن الآخر!

24 أكتوبر 2015 23:23
أنطوني العبد (أبوظبي) يكاد المراقبون والمحللون الذين يواكبون مسار الأحداث في الشرق الأوسط، يجمعون على أن العرب بعد «عاصفة الحزم» في اليمن هم غيرهم ما قبلها، وأن الغرب بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، هو غيره ما قبله، مستندين في ذلك إلى سلسلة من التفسيرات التي تحمل في طيّاتها الكثير من الحقائق والوقائع. فما جرى في اليمن، شكل المرة الأولى التي يبادر فيها العرب إلى الهجوم لأهداف استراتيجية بعيدة المدى وليس لأهداف آنية أو أهداف محدودة في المكان والزمان. وما جرى في سوريا شكل كذلك المرة الأولى التي تبادر فيها موسكو إلى الهجوم المباشر في الشرق الأوسط وليس الهجوم عبر الحلفاء أو العملاء أو حتى المرتزقة. وما جرى في اليمن، يبعث برسائل ناصعة لا تقبل أي تأويلات أو أي قراءات خاطئة أو ملتبسة، وهي رسائل تضخ مضمونها في غير اتجاه بدءاً من الخليج، وانتهاء بآخر عاصمة معنية بأي ملف من ملفات المنطقة والعالم. فالتحالف العربي الذي قادته المملكة العربية السعودية في اتجاه اليمن على المستوى الجغرافي، سلك اتجاهات عدة على مستويات سياسية وعسكرية وعقائدية وإقليمية ودولية، وأنتج نقلة نوعية في المسار العربي لم يعرفه العرب منذ زمن طويل ولم يعهده الغرب منذ انطلاق الصراع العربي - الإسرائيلي في أربعينيات القرن الماضي... فقد تمكن هذا التحالف من توجيه الرسائل الآتية: ـ أن ما جرى في فلسطين على يد إسرائيل، وما تبعه من تداعيات طالت دول الجوار، على مدى سنوات طويلة، وما حدث في الكويت على يد صدام حسين، وما تبعه من تداعيات في منطقة الخليج، لا يمكن أن يحدث في اليمن وعلى يد إيران هذه المرة. ـ إن الاعتماد على الترسانة الغربية لضمان أمن المنطقة خيار قابل للتقلبات والمصالح ويضع عرب الخليج في موقع مَنْ يتبع القرارات لا من يصنعها تماماً، كما حدث بُعيد سقوط الكويت في يد العراقيين، وسقوط نصف العراق في يد «داعش». ـ إن الانتقال إلى الهجوم يشكل الوسيلة الوحيدة المتاحة للجم التوسع الإيراني الذي يتقدم من دون أي مقاومة تذكر في غير مكان بدءاً من العراق مروراً بسوريا ووصولاً إلى الشواطئ اللبنانية، إضافة إلى غزة الخارجة من سيطرة السلطة الفلسطينية، والخاضعة للسطوة الإيرانية تمويلاً وتسليحاً وتدريباً وقيادة، وليس انتهاء بالبحرين الغارقة في حركة انقلابية متقطعة تقودها طهران عبر المواطنين الشيعة في المملكة الخليجية. ـ إن الانتقال إلى الهجوم وفر مقعداً للعرب إلى طاولة المفاوضات النووية التي كانت تجري في جنيف بين إيران والدول الست، وحال دون عقد صفقة تقوم على إزالة «الترسانة النووية» الإيرانية في مقابل مزيد من التوسع الجغرافي والعقائدي والاقتصادي والاستراتيجي في منطقة الخليج، وانطلاقاً من البوابة اليمنية التي كانت مفتوحة تماماً أمام الزحف الحوثي المباشر والإيراني غير المباشر. ـ إنَّ الانتقال إلى الهجوم، وجه رسالة قاطعة إلى الإيرانيين تفيد أن ثمة خطوطاً حمر لا يمكن تجاوزها لا على المستوى الجغرافي ولا على المستوى الديموغرافي، ناهيك عن المستوى القومي والاقتصادي، وهي رسالة فهمها الإيرانيون جيداً، ولو على مضض، وأدركوا أن عمليات اللعب على الحافة سيف ذو حدين، فهو في مكان يمكن أن يمر كما حدث في العراق ولبنان، ولا يمر في آخر كما يحدث في البحرين واليمن. ـ إن الانتقال إلى الهجوم، أبلغ إلى طهران أن المجموعة العسكرية العربية في الخليج ليست حراس أنظمة، بل حراس هوية وعقيدة وشعوب ومصالح وأعراف وتاريخ، وليست جيشاً متقوقعاً في الداخل، بل جيش قادر على تجاوز الحدود والقتال في أرض الآخرين من دون مواكبة من أي طرف إقليمي أو دولي... ـ إنّ الانتقال إلى الهجوم، أبلغ إلى الأميركيين والمعسكر الغربي أن ثمة حالات لا يمكن للعرب الانتظار في محطّاتها طويلاً، وأنّ ثمة حسابات لا يمكن لهم التهاون حيالها من جهة أو السماح لسواهم بتحديد أحجامها وأرقامها وأبعادها من جهة أخرى. ـ إن الانتقال إلى الهجوم قطع الطريق على «القاعدة»، و«داعش» اللذين كانا يتسابقان لتحويل اليمن عراقاً آخر على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، والانضمام بطريقة غير مباشرة إلى إيران التي كانت تحاول تقويضها عبر المجموعة الشيعية المقيمة في المناطق الشرقية، وهي محاولات لا توفر في طبيعة الحال جيران الرياض ومنهم في شكل خاص دولة الإمارات العربية المتحدة التي تخوض صراعاً مزمناً مع طهران على موضوع الجزر الثلاث، والتي تخوض قتالاً مباشراً مع المنظمات الأصولية الإرهابية في سوريا، وغير مكان. * إنّ الانتقال إلى الهجوم، أبلغ إلى إسرائيل أن هناك ثمة قوّة عسكرية عربية يعتد بها، وهي قوّة قادرة على الذهاب إلى مفاوضات السلام من باب قوّة وإلى ميادين الحرب من باب قوّة أيضاً. ـ إن الانتقال إلى الهجوم، نقل العرب عموماً والمسلمين خصوصاً من متهمين برعاية الإرهاب أو تصديره أو تشجيعه إلى طلائع من يقاتله في الداخل والخارج، وإلى رأس حربة في فرملة المدرسة الإيرانية التي أنتجت مع النظام السوري باكورة المنظمات الأصولية التي تسللت إلى العراق لمقاتلة القوات الأميركية قبل أن تتعملق لتصبح ما هي عليه اليوم. والواقع أن ما ينطبق على «عاصفة الحزم» ينطبق على التدخل العسكري الروسي في سوريا، لكن لأهداف تكاد تكون مختلفة تماماً. وتفيد مصادر قريبة من الكرملين أن الرئيس بوتين توجه بعسكره إلى دمشق للأسباب الآتية: - التأكد من أن الأميركيين في عهد باراك أوباما هم غيرهم في عهد جورج بوش الابن، وأن واشنطن ليست في وارد الدخول في حرب مباشرة على الأرض لا مع الروس ولا مع أي فريق آخر مستفيدة من حرب الاستنزاف التي تأكل خصومها الواحد بعد الآخر. - تلقي معلومات مؤكدة تفيد أن قوات الرئيس بشار الأسد لم تعد قادرة على الصمود، وكذلك قوات حزب الله التي توقفت عاجزة أمام أسوار الزبداني، وأن ما تبقى من «سوريا - الأسد» مهدد بالسقوط لا محال ومعه القاعدة البحرية الروسية في طرطوس. - السعي لحجز مقعد متقدم في أي تسوية سياسية للأزمة السورية، وذلك من البوابة العسكرية، بعدما عجزت في موسكو عن إنتاج حل سياسي من صنع روسي يبقي الأسد في موقعه وحيداً من دون أي شريك آخر. - الضغط على الغرب من البوابة السورية للوصول إلى هدفين رئيسيين:- - إنهاء العقوبات المفروضة على موسكو على خلفية الأزمة الأوكرانية. - إبعاد حلف الأطلسي عن حدود الاتحاد الروسي، سواء كان في أوكرانيا أو البلطيق، أو أوروبا الشرقية. وثمة هدف ثالث يتمثّل في تحفيز الأصوليين في مناطق القوقاز على القتال خارج الحدود وتحديداً في الأتون السوري الذي تحوّل مقبرة ومحرقة لمعظم المنظمات الأصولية العربية منها والإسلامية. والواقع أن موسكو فعلت ما فعلته دول الخليج، أي حشر الآخر في الزاوية الصعبة، مع فارق أساسي يتمثل في أن موسكو تحاول البحث عن دور غير طبيعي في أرض غريبة، في حين يلعب العرب دوراً طبيعياً في أرض شقيقة. وفي عرض لما سبق، ثمة حقيقة ساطعة خرجت من «عاصفة الحزم»، وهي حقيقة لا تقبل أي تشكيك أو تأويل.. إذ لم يعد العرب باعتراف المراقبين والمحللين السياسيين والعسكريين، شعوباً تخزن الأسلحة الحديثة في الثكن وحسب، بل شعوب تتقن استخدامها أيضاً. ما جرى في اليمن، يبعث برسائل ناصعة لا تقبل أي تأويلات، أو أي قراءات خاطئة أو ملتبسة، وهي رسائل تضخ مضمونها في غير اتجاه بدءاً من الخليج وانتهاء بآخر عاصمة معنية بأي ملف من ملفات المنطقة والعالم. والواقع أن موسكو فعلت ما فعلته دول الخليج، أي حشر الآخر في الزاوية الصعبة، مع فارق أساسي يتمثل في أن موسكو تحاول البحث عن دور غير طبيعي في أرض غريبة، في حين يلعب العرب دوراً طبيعياً في أرض شقيقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©