الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضحايا الكنز

ضحايا الكنز
19 أكتوبر 2012
أحمد محمد (القاهرة) - اختفى الرجل في ظروف غامضة، لا أحد يعرف عنه أي معلومة يمكن أن توصل إليه، الأمر محير وغاية في الغرابة، فهو في الخمسين من عمره، رشيد ملتزم في كل تصرفاته، يخرج في الصباح الباكر بعد أن يؤدي صلاة الفجر يحمل أدواته فوق كتفه ويتوجه حيث المنطقة التي يتجمع فيها العمال كل صباح، اعتادوا ذلك منذ سنوت طويلة، حتى إذا جاء عامل جديد من تلك الطائفة يذهب أيضا الى نفس المكان، فكل مقاول أو صاحب عمل يأتي الى هنا ليختار من بين هؤلاء العمال من يريد حسب اختصاصهم وتنوع حرفهم. على المقهى، يجلسون لاحتساء الشاي، آخرون يستظلون بحائط او شجرة، أمامهم أدواتهم ومعداتهم الخفيفة المتنوعة، اذ ليس بالضرورة ان يكون مطلوبا في عمل بعينه بل كل منهم على استعداد للقيام بالعديد من الأعمال، اكتسبوا المهارات على مدى سنوات يتعلمونها من بعضهم أثناء العمل. اختفاء العامل «حنفي» كان غريبا لأنه ليس صغيرا كي يضل الطريق، وليس صاحب جاه أو أعمال كي يكون بينه وبين غيره أي نوع من الخلافات حتى يقال انه اختطف أو تعرض لمكروه من أشخاص على خلافات معه، وأيضا ليس صاحب أموال كي يطمع فيها أو فيه أحد ويطلب فديه، كل ذلك مستبعد تماما، لم يكن هناك إلا احتمال واحد، وهو ان يكون تعرض لحادث، لكن حتى بعد أن تم الاستعلام من المستشفيات وشرطة النجدة لم يعد لهذا الاحتمال وجود، فقد أكدت كل الأوراق والجهات الرسمية ان ذلك لم يحدث. الأمر يزداد تعقيدا، فهؤلاء العمال لايعرفون بعضهم في الغالب إلا الذين قدموا من منطقة واحدة، أو من التقوا صدفة في أي عمل، فلا علاقات وطيدة لأنهم كثيرون بالمئات ويتحركون ولا يثبتون، ربما تكون الوجوه مألوفة، فلا يستطيع أحد ان يسأل السؤال الساذج: هل منكم من رأى «حنفي» اليوم او أمس، انه مثل البحث عن إبرة في كومة قش. لكن «حنفي» كانت له طقوس متميزة، صحيح أن لا أحدا يعرف اسمه، لكن يمكن التعرف عليه من خلالها، فهو يحضر في وقت محدد ويجلس القرفصاء وحيدا يدخن سيجارة ويمدد يديه فوق ركبتيه، أسمر البشرة بشكل واضح، له عمامة كبيرة منسوجة من الصوف لا يتركها صيفا ولا شتاء، يميل الى النحافة لكنه يتمتع بقوة ويمكن الاعتماد عليه في أي عمل، لذا عندما تم السؤال عنه هنا استدل بعضهم على تلك الأوصاف، وقال شاب ان امرأة جاءت الى هنا منذ ثلاثة أيام واصطحبت الرجل من هذا المكان ليقوم ببعض الأعمال في بيتها، لكن تلك المعلومة لم تكن مفيدة بالقدر الكافي ولم تقدم ولم تؤخر، وان كان ابن حنفي اضطر بعد ثلاثة أيام ان يبلغ الشرطة باختفاء والده، ومازالت أسرته تنتظر عودته، والأمل مازال موجودا. المثير للدهشة أن الرجل ليست له عداوة مع أحد وتعاملاته محدودة للغاية، حتى في منطقة سكنه لا يجد وقت للتعامل مع الجيران والأقارب لأنه لا يكون موجودا إلا في يوم الجمعة فهو يوم للراحة الأسبوعية، وهكذا يفعل معظم العمال أمثاله، وتلك المرأة نقطة في بحر كيف يمكن الوصول إليها؟.. والمؤكد أنها ليست لها معرفة سابقة به، ولا يمكن أيضا ان تكون بينهما علاقة من اي نوع إلا العمل، فالفوارق بينهما شاسعة لدرجة أنهما لا يلتقيان أبدا، فهو لا يملك من حطام الدنيا شيئا، يعمل ليحصل على قوت أسرته المكونة من ستة أفراد وأوصاف تلك المرأة تقول إنها من الطبقة الراقية من خلال السيارة الفارهة التي كانت تستقلها، لكن ربما تكون أيضا حديثة عهد بالأموال، أي لم تكن ثرية بحكم منصب او ميراث وانما هو الثراء المفاجئ الذي يظهر بلا مقدمات وأحيانا لاتعرف أسبابه الحقيقية. توهم الجميع ان رجال الشرطة لن يهتموا باختفاء «حنفي» لأنه رجل بسيط وفقير، وليس وراءه من يطالب بالبحث عنه، لكن الأمر كان مختلفا تماما، ولم تكن تلك المعلومة البسيطة إلا خيطا أمسكوا به ووضعوا خطة موسعة للوصول الى سر اختفاء هذا العامل، فلابد ان هناك جريمة وقعت بشكل ما، وتخفى عدد من رجال الشرطة بين العمال وهم يرتدون ملابس مثل ملابسهم وأدوات مثل أدواتهم، بعضهم جلس يبيع الشاي والسجائر وآخر يبيع الساندوتشات، وكلهم يبحثون عن معلومة إضافية حول «حنفي» أو المرأة الغامضة، سمعوا كثيرا وكانوا يتعمدون ان يتحدثوا عن «حنفي» جمعوا معلومات لا حصر لها لكنها لا تفيد في هذه المهمة وإنما قد تنفع في مهام أخرى. لا احد كان يدري ان هذا كمين وفخ للتعرف على المرأة واصطيادها، لان الضباط درسوا في علوم الجريمة ان المجرم دائما يحوم حول مكان الجريمة ولابد ان يعود اليه، وتلك مسألة نفسية ومؤكدة، وما لم يعرفه أحد أنهم التقطوا ذلك الشاب الذي أدلى بأول معلومة عنها واستعانوا به ليرشد عنها اذا حضرت، وكان ما توقعوه سليما، وقد حدث. فبعد أسبوع واحد من اختفاء «حنفي» ظهرت المرأة بسيارتها من بعيد عند أطراف المنطقة وغادرتها بعد دقائق حتى انهم لم يستطيعوا التقاط أرقام السيارة ولا التأكد من طرازها. فتح ذلك باب الأمل في حل لغز اختفاء «حنفي»، وبعد أسبوع آخر عادت المرأة بسيارتها وهي تضع على عينيها نظارة سوداء كبيرة الحجم لا تتماشى مع الموضة، من المؤكد أنها تتعمد أن تخفي أكبر جزء من وجهها، وأيضا ليست على دراية بأصول التعامل والتصرف، هرول اليها رجال المباحث الذين كانوا يرتدون أزياء العمال واستفسروا منها عما تريد، وقد كان طلبها بسيطا، فهي لا تريد عمالا متخصصين في أي عمال وانما مجرد عمال أقوياء لحفر حفرة، بالطبع لم يسألوا عن نوع الحفرة، والمهم ان يذهبوا معها، وألقى أربعة منهم بأنفسهم داخل سيارتها وهم يتوسلون اليها أن توافق على قيامهم بالمهمة لأنهم فقراء وفي حاجة ماسة الى العمل. انطلقت المرأة بالسيارة حتى تجاوزت حدود العمران من المدينة، لم يسألها أحد عن الوجهة، الى ان وصلت بهم الى منطقة تبدو أنها حديثة الإنشاء، أوقفت سيارتها، وطلبت منهم الدخول الى منزلها الذي لم يكتمل بناؤه ويبدو انه مهجور ولم يسكن بعد، لكن الملاحظ ان هناك في باحته حفرة كبيرة يبدو انها انهارت من قبل وطلبت منهم أن يعيدوا حفرها، وعندما تساءلوا عن السبب قالت إنها تريد ان تعد مكانا لدورة المياه حيث لا يوجد في المنطقة صرف صحي لأنها جديدة. ما دار في رؤوس رجال الشرطة كان احتمالات تقرب من الوصول الى نقطة النهاية، خاصة عندما أخبرتهم بألا ينزعجوا اذا عثروا على بقايا جثث او عظام أدمية في الحفرة لان تلك المنطقة كانت مخصصة للمقابر من قبل، تساءلوا في أنفسهم، كيف هذا؟ وما تقوله من المؤكد أنه كذب وعار تماما عن الصحة، خاصة انهم يعرفون المكان جيدا، والحفرة ليست مناسبة للصرف الصحي ولا توجد بها «شدّات» خشبية كالمعتاد كما انه يجب ان يكون هناك مقاول يتولى هذه الأعمال، وأخيرا ادعوا انهم خائفون من الموتى وربما يخرج لهم عفريت من تحت الارض، وحاولوا تعطيل العمل، خاصة انهم بالفعل لا خبرة لهم به ولا يستطيعون القيام به. لم ترد المرأة ان تفوت الفرصة وبالغت في تقديم الأجر لهم حتى لا يتركوها ويعودوا من حيث أتوا، فطالبوها بأن تصارحهم بالحقيقة حتى يستطيعوا ان يعملوا بلا خوف، فقالت لهم ان تلك الحفرة تحتها كنز أثري، وتأكدت من ذلك من خلال شخص متمكن يقوم ببعض الأعمال ويستطيع ان يكتشف الآثار وهي تحت الأرض وقد أكد أن هذا المكان يحتوي على كنوز من المجوهرات والتماثيل التي تصل قيمتها الى ملايين الدولارات، وقد توفي شخصان في الحفرة وأنها تريد ان تكمل أعمال الحفر لاستخرج الجثث والتخلص منها والاهم استخراج الكنوز التي تحلم بها. هنا أبدى العمال تحفظهم على المهمة وادعوا الخوف من المسؤولية وان البوليس قد يكشف أمرهم، فطمأنتهم بان هذا بيتها ولا يعرف أحد ما يدور فيه خاصة ان المنطقة بعيدة عن عيون الشرطة، وفي النهاية كل شيء يتم في غاية السرية، وهذا منزلها وهي تتحمل توابع كل ما يحدث، فتظاهروا بالطمع وبدأوا يساومونها على الأجر والحصول على نسبة من الكنز، رفضت لكنها لم تغلق باب التفاوض ووعدتهم بمبلغ لا يحلمون به اذا نجحوا في مهمتهم، الان تأكدوا من ان جثة «حنفي» في تلك الحفرة، تم الاتصال بقياداتهم وإرسال معدات حفر متخصصة وأفصحوا عن شخصياتهم الحقيقية وكادت المرأة تنهار وتسقط مغشياً عليها بعد ان وقعت في الفخ، تم الحفر وعلى عمق أربعة أمتار عثر على جثث ثلاثة عمال من بينهم «حنفي» ولم يكن هناك إلا الرمال ووقعت المرأة في شر أعمالها، ضيعها الطمع، وأصبحت متهمة في قضايا عديدة، بالقتل لهؤلاء والاتجار في الآثار والقيام بأعمال تنقيب بلا ترخيص، ولا تدري كم يكون مجموع تلك الأحكام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©