الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإيمان بالكلمة مدخل لتبجيل الكتاب

17 مارس 2009 02:53
كان سؤال القرّاء والمهتمّين بالثّقافة: هل ستبقى بيروت في موقع الرّيادة على صعيدي صناعة الكتاب، وتحفيز القراءة والمطالعة؟ أم أنّها فقدت هذا الدّور التّاريخيّ بفعل الحروب وانتشار ثقافة الاستهلاك، لتغدو مدينة المال والاستثمار قبل أيّ شيء آخر· جاء الجواب من منظّمة اليونسكو حين منحت لجنة الاختيار التّابعة لها هذا اللّقب المرموق لمدينة بيروت، لتكون عاصمة عالميّة للكتاب للعام 2009 اعترافاً بأجوائها الثّقافيّة، وجهودها الرّامية إلى تطوير صناعة الكتب وتعزيز القراءة· وسيكون 23 أبريل المقبل يوم إطلاق السّنة العالميّة للكتاب التي تستمرّ حتى 22 أبريل 2010 على أن تكون الأهداف المطلوبة ثلاثة: الأوّل، تدعيم قطاع الكتاب في لبنان في مراحله المختلفة من تأليف وإنتاج وتوزيع، ما يعني ضمنا: إعطاء الأفضليّة للإبداع وتشجيع الابتكار، ورفع مستوى الطّباعة والنّشر بالوسائل المتنوّعة لبلوغ معايير مهنيّة رفيعة، كما يعني توزيع الكتب في السّوق اللّبنانيّة بوساطة شبكة المكتبات العامّة، ونشر الكتاب في الخارج، عن طريق المشاركة في المعارض والمناسبات الثّقافيّة· وفي هذه الحال يجب إيلاء كتب الأطفال والأولاد والشّباب اهتماماً خاصّاً، لكونها تعمل على رفع نسبة القراءة والتّوسّع في صناعة الكتاب وتسويقه· والثّاني، تشجيع المطالعة وتحويلها إلى ممارسة مألوفة في مكتبات المدارس، والمكتبات العامّة، وصولاً إلى الأماكن التي يقلّ فيها حضور الكتاب كالحدائق والسّاحات العامّة ووسائل النّقل والمتنزهات وسواها· والغرض من ذلك هو التّرويج للكتاب ومؤلّفيه، وإدخال الكتاب إلى كلّ بيت، وتذوّق متعة القراءة، ووضع الكتاب في متناول أكبر عدد ممكن من القرّاء من فئات عمريّة مختلفة، فضلاً عن تعويد التّلامذة على ارتياد المكتبات بسلوكيّة منتظمة· والثّالث، تبنّي مقاربة متنوّعة نحو الثّقافة من خلال التّعريف بالإرث الثّقافيّ وإثرائه، وكذلك رعاية أحداث ومناسبات أدبيّة وفكريّة، تعبّر عن الانفتاح على الحضارات العالميّة· إذا نقلنا الحديث من الإطار النّظريّ كما صاغته الأهداف الثّلاثة إلى الإطار التّطبيقيّ، فإنّ المسؤوليّة المترتّبة على التّنفيذ تشير بنسبة كبيرة إلى وزارتي التّربية والثّقافة قبل مؤسّسات المجتمع المدنيّ، والأندية والجمعيّات الثّقافيّة· وبالفعل فإنّ وزارة التّربية اللّبنانيّة طلبت من جميع المؤسّسات التّربويّة الرّسميّة والخاصّة تنظيم نشاطات ثقافيّة تنسجم وهذه المناسبة، وإبلاغ وزارة الثّقافة بأيّ نشاط يقام كي يتمّ إدراجه في روزنامة بيروت عاصمة عالميّة للكتاب للعام ·2009 إنّ المبادرات التي أطلقتها وزارة التّربية اللّبنانيّة تلبية لإعلان اليونسكو تشكّل بداية جيّدة، تطلعنا على عمق الأزمة التي تعصف منذ سنوات بالكتاب الذي هو وسيلة للمطالعة والمعرفة، لكنّها غير كافية وذلك لجملة أسباب: 1 ـ تحصر المعالجة وتوجّه النّشاطات نحو المدارس والثّانويّات من دون الجامعات ومعاهد التّعليم العالي التي ينبغي لها أن تشكّل قواعد متقدّمة لإحياء المطالعة، والاحتفاء بالكتاب تأليفاً ونشراً وقراءة· 2 ـ لا تلتفت إلى بقيّة شرائح المجتمع، وهيئاته المحلّيّة ومؤسّساته الإعلاميّة التي تعمل على صناعة الرّأي العامّ وتعديل سلوكه، وتقاليده ومجمل ثقافته· 3 ـ تطالب بمزج نشاط المطالعة بمادّة المنهج المقرّر في المدرسة: واجبات وتحليل نصوص وإنشاء، وكأنّ المطالعة تعني مادّة واحدة هي اللّغة العربيّة والأدب العربيّ، فما المانع من أن تشمل المطالعة كلّ الموادّ: علميّة وأدبيّة؟ 4 ـ لا تلحظ وضع علامات محدّدة على النّشاطات المطلوبة، فالتّعليمات جاءت غامضة لأنّها تستعمل ألفاظاً مثل التّحفيز والتّشجيع وشهادات التّقدير، أي تبقي الثّواب في نطاق التّقدير المعنويّ، وهي تعلم أنّه غير مجدٍ إن لم يقترن بالعلامات والعطاءات العينيّة· يجب الاعتراف بأنّ مشكلة المطالعة اليوم مشكلة مجتمع بشكل عام في لبنان والوطن العربيّ، بل هي أزمة ثقافة تبدّلت فيها القيم والسّلوكيّات، فبتنا شعوباً لا تقرأ أو من أقلّ الشّعوب إقبالاً على الكتاب، لضعف إيماننا بجدوى الكلمة، وهنا تتلاقى أزمتان خلقية ومعرفيّة· فطلاّبنا يقبلون على الجامعات والمدارس لنيل شهادة يتكسّبون بها منصباً أو وظيفة أو مشروعاً استثماريّاً، وسوى ذلك لا يعنيهم· فالإبداع تأليفاً ونشراً لا ينظر إليه إلاّ من زاوية التّشويق والرّبح والخسارة، وقد انقطعت علاقته بتكوين الشّخصيّة الإنسانيّة السّويّة، وكأنّنا قبلنا عن غير قصد بتخلّف حضاريّ مقنّع، وخدعنا أنفسنا باقتناء مستحدثات التّكنولوجيا والألقاب العلميّة من دون التّعايش مع طارف الكتب ومتلد الثّقافات· لذا فالتّحدّي الثّقافيّ بعد إعلان اليونسكو المذكور: إذا أردنا أن نكون بين الشّعوب المتحضّرة، علينا أن نتبوّأ مركزاً مرموقاً بين الشّعوب القارئة، التي تألف الكتاب وتمجّد الكلمة، عنوانين ضروريّين للقيمة الانسانيّة في العصر الحديث· وكي ندخل في الاقتراحات العمليّة نقول على سبيل المثال: 1 ـ جعل المطالعة مادّة مطلوبة في مناهج التّعليم، عليها علامات محدّدة بقرار من وزارات التّربية والمعارف· 2 ـ تخفيض سعر الكتاب ليكون في متناول كلّ الطّبقات الفقيرة والغنيّة، ولا بدّ من تدخّل الدّولة لتتحمّل جزءاً من المسؤوليّة المادّيّة في الموضوع، كما كان يحدث في مصر في السّتّينّات والسّبعينّات· 3 ـ اعتماد مادّة الثّقافة العامّة في امتحانات الدّخول إلى الجامعات والوظائف الرّسميّة كافّة وجميع المهن التي تحتاج إلى شهادات تخصّص، وذلك بعد توصيف محتويات الثّقافة العامّة انطلاقاً من مطالعة التّراثين المحلّيّ والعالميّ· 4 ـ القيام بحملات إعلاميّة وإعلانيّة لإقناع الطّلبة والمواطنين بجدوى المطالعة ومردودها المفيد على صعيد بناء الشّخصيّة الإنسانيّة المتحضّرة· 5 ـ إنشاء مكتبات عامّة وفق الأنظمة الحديثة المعمول بها في الدّول المتقدّمة التي تحتلّ المراتب في القراءة والطّباعة· 6 ـ التّشاور مع اتّحادات الكتّاب والعاملين في القطاعات الثّقافيّة والتّربويّة والفنّيّة، لصياغة برامج وخطط تأخذ بيد القارئ لتبجيل الكتاب واسترجاع قيمته الاجتماعيّة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©