الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضحايا ميانمار.. ليسوا الروهينجا فحسب

23 أكتوبر 2015 22:37
حوادث ترك القوارب المكدسة بالمهاجرين تواجه مصيرها في البحر من دون تقديم أدنى مساعدة، والتي تكررت هذا الصيف، جعلت العالم أكثر إدراكاً للمحنة التي تواجهها إثنية «الروهينجا»، كما كانت بمثابة اعتراف متأخر للغاية بالوضع البائس الذي وصل إليه هذا الشعب. ومع ذلك، فالروهينجا ليسوا اللاجئين الوحيدين في ميانمار، حيث توجد مجموعات إثنية أخرى تواجه ظروفاً تزداد صعوبة في المنافي التي تعيش فيها. وهذه المجموعات العالقة في المنافي، وغير القادرة على العودة، بسبب خوفها المستمر من الاضطهاد الذي قد تتعرض له حال عودتها، تجد الآن أن داعميها الرئيسين، وغيرهم من مصادر الحماية، يتسربون بعيداً عنها. والسؤال هنا هو: ما الذي يخبئه المستقبل لهؤلاء اللاجئين؟ وما الذي يجب عمله لجعل عودتهم ممكنة فعلياً؟ خلال عقود من الحكم العسكري في ميانمار، ترك الملايين من سكان البلاد بشكل غير قانوني، بحثاً عن الأمن والحياة الأفضل في أماكن أخرى. وتحولت الغالبية العظمى من هؤلاء إلى مهاجرين غير موثقين في تايلاند وماليزيا، وما وراءهما، بينما تم تسجيل نسبة أقل منهم كمهاجرين رسميين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ويعتمد هؤلاء اللاجئون بدرجة أو بأخرى على العون والمساعدات الدولية لتوفير احتياجات حياتهم في المنفى، إلا أنهم يجدون أنفسهم حالياً في وضع محير. فبعد عقود كان المجتمع الدولي متفقاً فيها على إدانة نظام ميانمار، تغير المناخ السياسي في تلك الدولة الآن، ولم يعد ينظر إليها على أنها دولة منبوذة دولياً، وإنما دولة تمر بمرحلة انتقالية. وتلك النظرة الجديدة لميانمار كانت لها تداعيات مهمة على اللاجئين خارج البلاد، من أبرزها اختفاء التمويل الذي كان يقدم لرعايتهم. ومن التداعيات أيضاً أن لاجئي ميانمار بات ينظر إليهم نظرة انتقادية لم تكن موجودة من قبل، حيث باتوا يتهمون من حكومات وشعوب الدول المضيفة بأنهم ليسوا لاجئين «حقيقيين» وإنما مجرد انتهازيين يشكلون ضغطاً على منظومة الحماية الدولية. والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تغيرت ميانمار حقاً؟ معظم اللاجئين إن لم يكن كلهم سوف يجيبون بالنفي، حيث لا يوجد لديهم سوى ثقة ضئيلة بحكومة ميانمار، ولا توجد لديهم أي ثقة على الإطلاق في مؤسستها العسكرية. ليس هذا فحسب، بل إن المحللين الأكثر تفاؤلاً في ميانمار يعترفون بأن هناك جيوباً في البلاد ما زالت مليئة بمشكلات مثل: الاضطهاد المتفاقم للروهينجا ومسلمي ميانمار عموماً، والصراع المستمر في ولايتي كاتشن وشان، والهجوم الوحشي على إثنية الكوكانج. خلال خمسين عاماً الماضية، وتحت حكومات تقودها مجالس عسكرية متعاقبة، اتبعت ميانمار مشروع استراتيجية البورمة، أي الترويج لديانة واحدة هي البوذية، وللغة واحدة هي البورمية، ولثقافة واحدة هي البورمية أيضاً. وحسب أفضل التقديرات، كان ينظر إلى تلك البرامج على أنها تمثل سياسات إدماجية، وفي أسوئها على أنها تطهير عرقي. واستمرار الاضطرابات والتصفيات العرقية المشار إليها، يوضح أن ميانمار ليست ديمقراطية متعددة الأطياف، كما يعتقد، وإنما عبارة عن دولة ذات سياسات عنصرية راسخة الجذور، ونهج تمييزي مترسخ في صميم القانون الحالي، وسيتم اتباعه في القوانين الجديدة أيضاً. وإذا ما نظرنا إلى الأمور من هذه الزاوية، فسيتضح لنا السبب الذي يدفع العديد من اللاجئين من العرقيات غير البورمية إلى الاستمرار في المنافي. وبناءً على محصلة الانتخابات التي ستجري في نوفمبر القادم، هناك احتمال قيام أعداد متزايدة بالمغامرة بالعودة للوطن، وهو ما يعني من ناحية أخرى أن الشهور القادمة يمكن أن تكون حاسمة في بناء الثقة في مستقبل ميانمار السياسي، وفي مستقبل العائدين من المنافي أيضاً. ومن هنا يمكن القول إنه توجد هناك صلة مهمة بين محادثات السلام بين حكومة ميانمار والمجموعات الإثنية المسلحة، وبين مصير العديد من المجموعات غير البورمية. وفي هذه المرحلة من المحادثات هناك ضرورة لتجاوز مرحلة الخطابة، وإدراك أنه كي تنجح عملية بناء السلام فإن قوميات ميانمار المتنوعة ستكون بحاجة إلى دليل على وجود تغيير مقنع ومستمر في صورة التزام بالحكم الذاتي السياسي في الولايات التي تسكنها أغلبيات عرقية، ونزع سلاح المناطق العرقية، والاستثمار في التنمية والبنية الأساسية في تلك المناطق، وإجراء إصلاحات قانونية لضمان إنهاء التمييز القائم على خلفيات إثنية ودينية. لو تم ذلك، فإن هناك احتمالاً لعودة اللاجئين في الدول الأخرى إلى ميانمار وهم مطمئنون، أما إذا لم تتم معالجة مشكلاتهم، فإن العديدين منهم سيظلون عالقين في الدول التي لجؤوا إليها في مناخ تتناقص فيه الحماية المقدمة لهم بشكل مطرد. كريستين ماك كوناتشي* *أستاذ القانون المساعد في جامعة واريك البريطانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©