الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مو يان.. حرفية الصمت

18 أكتوبر 2012
عريباً، لا أحد بوسعه الادعاء بأنه قد قرأ الرجل أو أطلّ على منجزه الروائي من قبل، بل لعلنا جميعا لم نسمع باسمه إلا مع الإعلان عن ترشحه، بقوة، لنيل جائزة نوبل للآداب لدورتها الحادية عشرة بعد المائة هذا العام التي خلى فيها النقاش ـ حول هذه الجائزة ـ من قوة حضور أدونيس كمرشح قوي وندّ كما كانت عليه الحال للأعوام الفائتة الثلاثة على الأقل. فهذا الروائي الصيني الذي فاز لم يُترجم إلى العربية بالمطلق ولم يقرأه أحد من قبل في أفق ثقافتنا العربية إلا بلغة وسيطة إنْ افتُرض حدوث ذلك. وكل ما يمكن أن يُقال في هذا المقام ما هو إلا ترجمة أو إعداد عن ما نشرت صحف أجنبية حول مو يان، الروائي الصيني البالغ من العمر سبعة وخمسين عاما، ليكون بذلك الأصغر سنّا من الكتّاب والمبدعين الذين حازوا الجائزة ذاتها منذ الفرنسي ألبير كامو الذي حازها في الخمسينات من القرن الماضي في حين لم يكن قد أكمل عامه السادس والخمسين. جهاد هديب لقد بدا الموقف السياسي لمو يان وكذلك الموقف السياسي المضاد له، الذي يتبناه المثقفون في ما يسمى “المنفى الصيني”، أكثر طغيانا على الجدل الدائر حول فوزه بنوبل للآداب التي من عادتها أن تثير حولها جدلا سياسيا سواء بصدد مواقف أي مبدع يفوز بها ما بين مؤيد ومعارض أو مواقفه السياسية في أدبه نأيا أو قربا من الأوضاع الراهنة لبلاده، وهو أمر جدير بالاهتمام في الحالة الصينية تحديدا، خاصة أن الرجل كان شاهد عيان على الكثير من الأحداث التي قمع فيها الحزب الشيوعي الصيني أي ازدهار ثقافي أو سياسي في البلاد منذ ستينات القرن الماضي وحتى مطالع الألفية وما بعدها. كتابة المنفى إنما ليس من باب الدفاع عن مو يان وليس ضد ما يقوله أضداده، فإن الخيار الذي كان متاحا له، كأي صيني، هو المنفى، وقد علّمتنا التجربة، أن هذا المنفى، أيا يكن بهيجا، ليس بديلا عن المكان الأول فهو يُنتج أدبا خاصا به ويحمل سماته وبصماته. ذلك أن العيش “خارج المكان” ـ باستعارة عنوان الكتاب الأخير لادوارد سعيد ـ يجعل المكان الأول متخيّلا ومن غير الممكن التعايش معه يوميا بالمعنى الاجتماعي للكلمة، فضلا عن أن المنفى يجعل من المكان الأول قضية سياسية حتى لو كانت تحمل أبعادا انسانية. وفي حين أن هذا الأمر لا يعفي مو يان من أي التزام ثقافي بالمعنى الأخلاقي للكلمة - تجاه ما كان يحدث ويحدث الآن في الصين، كاضطهاد الأقليات مثلا، فإن هناك نوع من الأفراد الذين لديهم ما يكفي من الأسباب التي تحول دون إمكانية عيشهم خارج المكان الأول ذاته. أليس نجيب محفوظ مثلا طيبا على ذلك؟ ألَم يُعرف بقربه من سلطة فاسدة لم تعد الآن في السلطة ذاتها بل يقبع رمزها الأول في السجن؟ مع ذلك فالرجل يستحق جائزة نوبل للآداب لو نظرنا بحياد إلى إبداعه وأبعد ما يمكن عن موقف المثقف من السلطة عربيا. أغلب الظن أن هذا الأمر لا يحدث عندنا، نحن العرب فحسب، بل يخص أمما وشعوبا أخرى أيضا لديها إشكالياتها المعرفية العميقة مع ذاتها ومع العالم، كالصين التي فيها ست وخمسون قومية وبابل من اللغات ورقم لا يستهان به من الأديان والتعاليم والأعراف والتقاليد والعادات. يبدو أن الأمر هو كذلك بالقياس، وليس بالمعرفة الأكيدة أو اليقين القاطع بالطبع. توازى ذلك مع عادة قديمة تمارسها الثقافة الغربية في العالم، فقد أُعلن عن فوز مو يان بالجائزة مقرونا باسمي الروائيين الأميركي وليم فوكنر والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، بوصفهما أسسا لاتجاهين في الكتابة الروائية في ثقافتيهما تنتسب أكثر من سواها إلى واقعية ما جديدة، فتضمن البيان الصحفي الذي تلاه بيتر إنغلند ما جرت تسميته بـ”واقعية الهلوسة” أو “واقعية المسّ” بوصفها استفادة من الواقعية السحرية لدى ماركيز وجماليات الواقعية المتوحشة لدى فولكنر، وكأن مو يان من غير الممكن معرفته، أو التعريف به، إلا بمجاورته بمبدعيْن آخريْن بحيث يبدو أقلّ درجة منهما، أو أنه قد اقتداهما واستفاد من صنيعيْهما في سياق إعادة إنتاجه الأدب الصيني الشفوي والمكتوب، الحديث والقديم منه الفولكلوري وغير الفولكلوري. تماما مثلما وُصِف نجيب محفوظ بأنه “إيميل زولا” مصر، نسبة إلى المثقف والروائي الفرنسي الشهير صاحب ما يُعرف في الثقافة العالمية الآن بـ”قضية دريفوس”. وقد تضمن بيان إنغلند بفوز مو يان بالجائزة أسبابا هي الأسباب ذاتها التي وردت في بيان صادر في العاشر من اكتوبر من العام 1938 عندما أُعلن عن فوز الأميركية بيرل بكّ دون زجّ لأسماء أخرى، حيث من الممكن مراجعة الموقع الالكتروني للجائزة في هذا الصدد، فهل يدخل أمر المقارنة هذا، في ما يتصل بمو يان، في باب الانصاف الأدبي الصرف؟ أم في سياق تعريف القارئ الغربي بكاتب صيني عبر مقارنته بكاتب غربي؟ أم ماذا؟. في أية حال، فإن الصحف الأكثر اهتماما تناقلت خبر فوز روائي صيني، ربما بوصفه ينتمي لآسيا البعيدة وثقافاتها المتداخلة، كانت هي الصحف الآسيوية الناطقة بالانجليزية منها على الأقل، إذ يلحظ المرء أن هناك احتفاء بهذا الفوز بروائي كتب الأحداث المعاصرة لتلك المنطقة بلغة أهلها، أما الصحف الغربية فقد تعاملت مع الفوز بوصفه حدثا جديرا بالاهتمام إنما مقرونا بما سبق ذكره عن تلك “النزعة المركزية الأوروبية”، إذا جاز التوصيف، وهنا ربما ما نشرته “الغارديان”، اليومية البريطانية واسعة الانتشار، على موقعها الالكتروني بعد اثنتين وعشرين دقيقة فقط على إعلان الجائزة هو الأكثر إنصافا والأعلى مهنيةً من سواها من الصحف البارزة الأخرى في الثقافة الانجلوسكسونية التي تعاملت مع الطابع السياسي للفوز على حساب الطابع الثقافي والأدبي، فذكر المحرر الأدبي أن هذه الجائزة هي الأولى التي يحظى بها الأدب الصيني بناء على منجز لمثقف صيني يحمل الجنسية الصينية ذاتها ويعيش في الصين ولا يحمل أية جنسية أخرى، حيث سبق فوز الروائي الروائي المعروف عالميا على نطاق واسع غاو كسينغيانغ العام 2000 وهو فرنسي الجنسية، وكذلك هو ليو كزياوبو الحائز الجائزة لدورة العام 2010، والذي لم تسمح له سلطات الحزب الشيوعي الحاكم بالتوجه إلى العاصمة السويدية ستوكهولم لتسلّم جائزة السلام، وليس الآداب، بل إن الرجل ما زال معتقلا في أحد سجون تلك السلطات. الصيني الحقيقي بالمقابل، تناقلت الصحف الآسيوية عن مو يان قوله، غداة فوزه بالجائزة، أنه بسبب هذا الفوز “سوف تقرأ عيون كثيرة الأدب الصيني في جميع أرجاء العالم أكثر من أي وقت مضى” في سياق تعليقه على أن ما يُقرأ الآن من أدب صيني في العالم هو أدب “المنفى الصيني” وحده وليس الأدب الصيني بالمجمل الذي يتم إنتاجه هنا وهناك، والأرجح أن هذا الكلام واقعي بالفعل بالنظر إلى سعي الغرب إلى التركيز على ما يبدعه المنفيون الصينيون أكثر من ما يُكتب داخل الصين ذاتها في سياق الصراع السياسي، غير البريء أبدا، بين قوى اقتصادية باتت تتصارع الآن على الأسواق وقد أقصت الإيديولوجيا جانبا، كما هو معلوم. بينما كتب محرر ثقافي في يومية صينية تعليقا على مؤتمر صحفي تحدث فيه مو يان، فأكد فيه أنه لا يمتلك الكثير من الاستثناءات للفوز بنوبل وأنه لم يكن يتوقع هذا الفوز، بالقول: “انتظر الكتّاب الصينيون طويلا، انتظر الشعب الصيني طويلا”، هذا الفوز الذي أربك حزبا حاكما لم يكن يتوقع، أيضا، هذا الفوز بحيث أن ردود فعله على الحدث قد تأخر على الحدث بوصف مو يان اول روائي يفوز بنوبل للآداب في حين ردّ المعارضون بأن الصين المعارضة للحزب الحاكم، أي “صين المنفى” هي التي فازت على نحو أسبق العام 200. مع ذلك، أكد الضابط المتقاعد من الجيش الصيني، الذي آثر الصمت تجاه اعتقال العديد من زملائه الكتّاب عندما كان نائبا لرئيس إتحاد الكتّاب الصينيين، وكذلك الصمت تجاه أحداث ما يعرف بساحة “تيان مين” أواخر الثمانينات من القرن الماضي... أكّد أن هناك الكثير من الروائيين في العالم “الذين تجدر أعمالهم بالفوز بنوبل وأيضا من الصين ذاتها”، وأن “فرصتي بالفوز كانت ضئيلة” نظرا للمنافسة بين الأسماء التي كانت مطرح نقاش”. لكن هذا الشعار: Mo Yan, Rep blic of Wine تردد كثيرا في المواقع الالكترونية الأدبية التي تتبع لصحف ودوريات أخرى متنوعة ادبيا وتابعت فوز يان بالجائزة، وهو شعار مقفّى تقريبا بل ويصلح أن يكون هتافا في تظاهرة جماهيرية، غير أنها ـ أي المواقع الالكترونية ـ قد أخذت على محمل آخر هذا الشعار، إذ أن “جمهورية النبيذ” Rep blic of Wine هي الرواية الأكثر شهرة من بين أعمال مو يان الروائية. أيضا لديه رواية أخرى تحمل العنوان: “الهوس” أو “المسّ” الذي قال إنه قد كتبها في شهر واحد فقط، خلال مؤتمره الصحفي ذاك، غير أن هذه الرواية لها أهمية خاصة في منجز مو يان الروائي تبعا لما نشر عنه بعد الفوز، ثم هناك رواية أخرى تحمل العنوان: “تغيير” وقد جرت ترجمتها إلى لغات حيّة في العام الراهن وتناولها نقّاد آسيويون كثر. إنما، في سيرة الرجل أنه ولد في عائلة قروية صينية بلا أي امتياز وقد انسحب من المدرسة في سنّ الثانية عشرة، ثم بدأ المطالعة نائيا بنفسه، ليلا، إلى مطحنة الذرة الخاصة ببيت العائلة، وقارئا مستعينا ببصيص من الضوء الصادر عن مصباح يوقَدُ بالكيروسين، بوصف ذلك ردّ فعل الطفل الذي كانه واحتجاجا على إخراجه من المدرسة، فهو لا يريد العمل في الحقل نهارا، بحسب ما قال في المؤتمر ذاته. أشار أيضا إلى أنه لم تكن في قريته سوى بضعة كتب متاحة للقراءة، ما اضطره للجوء إلى كل الوسائل للعثور على الكتب لقراءتها، وعندما انتهى من قراءة الكتب المتوفرة في قريته والقرى المجاورة حَسِبَ أنه أكثر الأشخاص حيازة للمعرفة في العالم. لكنه في الوقت نفسه رأى أن الأدب في كل العالم قد بات حقلا مهجورا ووحيدا، وليس كالسينما أو الوسائط الإعلامية الأخرى التي تحظى بجماهيرية أكثر، مع ذلك أشاد بتقرير للأكاديمية الصينية للإعلام والنشر للعام 2011 الذي أفاد بأن معدل القراءة لدى المواطن الصيني العادي يبلغ 4,2 كتابا لكل عام متفوقا قليلا بذلك على بعض البلدان الغربية. أخيرا، فإن اسم مو يان الذي يعني: “لا تتكلم” أو فعل الأمر: “اصمت” والذي سيخلد اسم الرجل ليس هو اسمه الحقيقي، إنما اسمه: غويان مويه، هكذا ببساطة وسخرية أيضا، وكأنه كان يدري مسبقا أنه اختار الصمت عن سابق قصد وإصرار. أسماء الفائزية في 15 عاما في ما يلي أسماء الفائزين في السنوات الخمس عشرة الأخيرة بجائزة نوبل للآداب التي منحتها الاكاديمية السويدية للكاتب الصيني مو يان: ? 2012: موه يان (الصين) ? 2011: توماس ترانسترومر (السويد) ? 2010: ماريو فارغاس يوسا (البيرو) ? 2009: هيرتا مولر (المانيا) ? 2008: جان ماري غوستاف لو كليزيو (فرنسا) ? 2007: دوريس ليسينغ (بريطانيا) ? 2006: اورهان باموك (تركيا) ? 2005: هارولد بنتر (بريطانيا) ? 2004: الفريدي يلينيك (النمسا) ? 2003: جون ماكسويل كوتزي (جنوب افريقيا) ? 2002: ايمري كرتيس (المجر) ? 2001: في.اس. نايبول (بريطانيا) ? 2000: غاو سينجيان (فرنسا) ? 1999 غوتنر غراس (المانيا) ? 1998: جوزيه ساراماغو الفائز بجائز «نوبل» للآداب سكت عن قمع الكتّاب في الصين الماوية مو يان.. حرفية الصمت عريباً، لا أحد بوسعه الادعاء بأنه قد قرأ الرجل أو أطلّ على منجزه الروائي من قبل، بل لعلنا جميعا لم نسمع باسمه إلا مع الإعلان عن ترشحه، بقوة، لنيل جائزة نوبل للآداب لدورتها الحادية عشرة بعد المائة هذا العام التي خلى فيها النقاش ـ حول هذه الجائزة ـ من قوة حضور أدونيس كمرشح قوي وندّ كما كانت عليه الحال للأعوام الفائتة الثلاثة على الأقل. فهذا الروائي الصيني الذي فاز لم يُترجم إلى العربية بالمطلق ولم يقرأه أحد من قبل في أفق ثقافتنا العربية إلا بلغة وسيطة إنْ افتُرض حدوث ذلك. وكل ما يمكن أن يُقال في هذا المقام ما هو إلا ترجمة أو إعداد عن ما نشرت صحف أجنبية حول مو يان، الروائي الصيني البالغ من العمر سبعة وخمسين عاما، ليكون بذلك الأصغر سنّا من الكتّاب والمبدعين الذين حازوا الجائزة ذاتها منذ الفرنسي ألبير كامو الذي حازها في الخمسينات من القرن الماضي في حين لم يكن قد أكمل عامه السادس والخمسين. جهاد هديب لقد بدا الموقف السياسي لمو يان وكذلك الموقف السياسي المضاد له، الذي يتبناه المثقفون في ما يسمى “المنفى الصيني”، أكثر طغيانا على الجدل الدائر حول فوزه بنوبل للآداب التي من عادتها أن تثير حولها جدلا سياسيا سواء بصدد مواقف أي مبدع يفوز بها ما بين مؤيد ومعارض أو مواقفه السياسية في أدبه نأيا أو قربا من الأوضاع الراهنة لبلاده، وهو أمر جدير بالاهتمام في الحالة الصينية تحديدا، خاصة أن الرجل كان شاهد عيان على الكثير من الأحداث التي قمع فيها الحزب الشيوعي الصيني أي ازدهار ثقافي أو سياسي في البلاد منذ ستينات القرن الماضي وحتى مطالع الألفية وما بعدها. كتابة المنفى إنما ليس من باب الدفاع عن مو يان وليس ضد ما يقوله أضداده، فإن الخيار الذي كان متاحا له، كأي صيني، هو المنفى، وقد علّمتنا التجربة، أن هذا المنفى، أيا يكن بهيجا، ليس بديلا عن المكان الأول فهو يُنتج أدبا خاصا به ويحمل سماته وبصماته. ذلك أن العيش “خارج المكان” ـ باستعارة عنوان الكتاب الأخير لادوارد سعيد ـ يجعل المكان الأول متخيّلا ومن غير الممكن التعايش معه يوميا بالمعنى الاجتماعي للكلمة، فضلا عن أن المنفى يجعل من المكان الأول قضية سياسية حتى لو كانت تحمل أبعادا انسانية. وفي حين أن هذا الأمر لا يعفي مو يان من أي التزام ثقافي بالمعنى الأخلاقي للكلمة - تجاه ما كان يحدث ويحدث الآن في الصين، كاضطهاد الأقليات مثلا، فإن هناك نوع من الأفراد الذين لديهم ما يكفي من الأسباب التي تحول دون إمكانية عيشهم خارج المكان الأول ذاته. أليس نجيب محفوظ مثلا طيبا على ذلك؟ ألَم يُعرف بقربه من سلطة فاسدة لم تعد الآن في السلطة ذاتها بل يقبع رمزها الأول في السجن؟ مع ذلك فالرجل يستحق جائزة نوبل للآداب لو نظرنا بحياد إلى إبداعه وأبعد ما يمكن عن موقف المثقف من السلطة عربيا. أغلب الظن أن هذا الأمر لا يحدث عندنا، نحن العرب فحسب، بل يخص أمما وشعوبا أخرى أيضا لديها إشكالياتها المعرفية العميقة مع ذاتها ومع العالم، كالصين التي فيها ست وخمسون قومية وبابل من اللغات ورقم لا يستهان به من الأديان والتعاليم والأعراف والتقاليد والعادات. يبدو أن الأمر هو كذلك بالقياس، وليس بالمعرفة الأكيدة أو اليقين القاطع بالطبع. توازى ذلك مع عادة قديمة تمارسها الثقافة الغربية في العالم، فقد أُعلن عن فوز مو يان بالجائزة مقرونا باسمي الروائيين الأميركي وليم فوكنر والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، بوصفهما أسسا لاتجاهين في الكتابة الروائية في ثقافتيهما تنتسب أكثر من سواها إلى واقعية ما جديدة، فتضمن البيان الصحفي الذي تلاه بيتر إنغلند ما جرت تسميته بـ”واقعية الهلوسة” أو “واقعية المسّ” بوصفها استفادة من الواقعية السحرية لدى ماركيز وجماليات الواقعية المتوحشة لدى فولكنر، وكأن مو يان من غير الممكن معرفته، أو التعريف به، إلا بمجاورته بمبدعيْن آخريْن بحيث يبدو أقلّ درجة منهما، أو أنه قد اقتداهما واستفاد من صنيعيْهما في سياق إعادة إنتاجه الأدب الصيني الشفوي والمكتوب، الحديث والقديم منه الفولكلوري وغير الفولكلوري. تماما مثلما وُصِف نجيب محفوظ بأنه “إيميل زولا” مصر، نسبة إلى المثقف والروائي الفرنسي الشهير صاحب ما يُعرف في الثقافة العالمية الآن بـ”قضية دريفوس”. وقد تضمن بيان إنغلند بفوز مو يان بالجائزة أسبابا هي الأسباب ذاتها التي وردت في بيان صادر في العاشر من اكتوبر من العام 1938 عندما أُعلن عن فوز الأميركية بيرل بكّ دون زجّ لأسماء أخرى، حيث من الممكن مراجعة الموقع الالكتروني للجائزة في هذا الصدد، فهل يدخل أمر المقارنة هذا، في ما يتصل بمو يان، في باب الانصاف الأدبي الصرف؟ أم في سياق تعريف القارئ الغربي بكاتب صيني عبر مقارنته بكاتب غربي؟ أم ماذا؟. في أية حال، فإن الصحف الأكثر اهتماما تناقلت خبر فوز روائي صيني، ربما بوصفه ينتمي لآسيا البعيدة وثقافاتها المتداخلة، كانت هي الصحف الآسيوية الناطقة بالانجليزية منها على الأقل، إذ يلحظ المرء أن هناك احتفاء بهذا الفوز بروائي كتب الأحداث المعاصرة لتلك المنطقة بلغة أهلها، أما الصحف الغربية فقد تعاملت مع الفوز بوصفه حدثا جديرا بالاهتمام إنما مقرونا بما سبق ذكره عن تلك “النزعة المركزية الأوروبية”، إذا جاز التوصيف، وهنا ربما ما نشرته “الغارديان”، اليومية البريطانية واسعة الانتشار، على موقعها الالكتروني بعد اثنتين وعشرين دقيقة فقط على إعلان الجائزة هو الأكثر إنصافا والأعلى مهنيةً من سواها من الصحف البارزة الأخرى في الثقافة الانجلوسكسونية التي تعاملت مع الطابع السياسي للفوز على حساب الطابع الثقافي والأدبي، فذكر المحرر الأدبي أن هذه الجائزة هي الأولى التي يحظى بها الأدب الصيني بناء على منجز لمثقف صيني يحمل الجنسية الصينية ذاتها ويعيش في الصين ولا يحمل أية جنسية أخرى، حيث سبق فوز الروائي الروائي المعروف عالميا على نطاق واسع غاو كسينغيانغ العام 2000 وهو فرنسي الجنسية، وكذلك هو ليو كزياوبو الحائز الجائزة لدورة العام 2010، والذي لم تسمح له سلطات الحزب الشيوعي الحاكم بالتوجه إلى العاصمة السويدية ستوكهولم لتسلّم جائزة السلام، وليس الآداب، بل إن الرجل ما زال معتقلا في أحد سجون تلك السلطات. الصيني الحقيقي بالمقابل، تناقلت الصحف الآسيوية عن مو يان قوله، غداة فوزه بالجائزة، أنه بسبب هذا الفوز “سوف تقرأ عيون كثيرة الأدب الصيني في جميع أرجاء العالم أكثر من أي وقت مضى” في سياق تعليقه على أن ما يُقرأ الآن من أدب صيني في العالم هو أدب “المنفى الصيني” وحده وليس الأدب الصيني بالمجمل الذي يتم إنتاجه هنا وهناك، والأرجح أن هذا الكلام واقعي بالفعل بالنظر إلى سعي الغرب إلى التركيز على ما يبدعه المنفيون الصينيون أكثر من ما يُكتب داخل الصين ذاتها في سياق الصراع السياسي، غير البريء أبدا، بين قوى اقتصادية باتت تتصارع الآن على الأسواق وقد أقصت الإيديولوجيا جانبا، كما هو معلوم. بينما كتب محرر ثقافي في يومية صينية تعليقا على مؤتمر صحفي تحدث فيه مو يان، فأكد فيه أنه لا يمتلك الكثير من الاستثناءات للفوز بنوبل وأنه لم يكن يتوقع هذا الفوز، بالقول: “انتظر الكتّاب الصينيون طويلا، انتظر الشعب الصيني طويلا”، هذا الفوز الذي أربك حزبا حاكما لم يكن يتوقع، أيضا، هذا الفوز بحيث أن ردود فعله على الحدث قد تأخر على الحدث بوصف مو يان اول روائي يفوز بنوبل للآداب في حين ردّ المعارضون بأن الصين المعارضة للحزب الحاكم، أي “صين المنفى” هي التي فازت على نحو أسبق العام 200. مع ذلك، أكد الضابط المتقاعد من الجيش الصيني، الذي آثر الصمت تجاه اعتقال العديد من زملائه الكتّاب عندما كان نائبا لرئيس إتحاد الكتّاب الصينيين، وكذلك الصمت تجاه أحداث ما يعرف بساحة “تيان مين” أواخر الثمانينات من القرن الماضي... أكّد أن هناك الكثير من الروائيين في العالم “الذين تجدر أعمالهم بالفوز بنوبل وأيضا من الصين ذاتها”، وأن “فرصتي بالفوز كانت ضئيلة” نظرا للمنافسة بين الأسماء التي كانت مطرح نقاش”. لكن هذا الشعار: Mo Yan, Rep blic of Wine تردد كثيرا في المواقع الالكترونية الأدبية التي تتبع لصحف ودوريات أخرى متنوعة ادبيا وتابعت فوز يان بالجائزة، وهو شعار مقفّى تقريبا بل ويصلح أن يكون هتافا في تظاهرة جماهيرية، غير أنها ـ أي المواقع الالكترونية ـ قد أخذت على محمل آخر هذا الشعار، إذ أن “جمهورية النبيذ” Rep blic of Wine هي الرواية الأكثر شهرة من بين أعمال مو يان الروائية. أيضا لديه رواية أخرى تحمل العنوان: “الهوس” أو “المسّ” الذي قال إنه قد كتبها في شهر واحد فقط، خلال مؤتمره الصحفي ذاك، غير أن هذه الرواية لها أهمية خاصة في منجز مو يان الروائي تبعا لما نشر عنه بعد الفوز، ثم هناك رواية أخرى تحمل العنوان: “تغيير” وقد جرت ترجمتها إلى لغات حيّة في العام الراهن وتناولها نقّاد آسيويون كثر. إنما، في سيرة الرجل أنه ولد في عائلة قروية صينية بلا أي امتياز وقد انسحب من المدرسة في سنّ الثانية عشرة، ثم بدأ المطالعة نائيا بنفسه، ليلا، إلى مطحنة الذرة الخاصة ببيت العائلة، وقارئا مستعينا ببصيص من الضوء الصادر عن مصباح يوقَدُ بالكيروسين، بوصف ذلك ردّ فعل الطفل الذي كانه واحتجاجا على إخراجه من المدرسة، فهو لا يريد العمل في الحقل نهارا، بحسب ما قال في المؤتمر ذاته. أشار أيضا إلى أنه لم تكن في قريته سوى بضعة كتب متاحة للقراءة، ما اضطره للجوء إلى كل الوسائل للعثور على الكتب لقراءتها، وعندما انتهى من قراءة الكتب المتوفرة في قريته والقرى المجاورة حَسِبَ أنه أكثر الأشخاص حيازة للمعرفة في العالم. لكنه في الوقت نفسه رأى أن الأدب في كل العالم قد بات حقلا مهجورا ووحيدا، وليس كالسينما أو الوسائط الإعلامية الأخرى التي تحظى بجماهيرية أكثر، مع ذلك أشاد بتقرير للأكاديمية الصينية للإعلام والنشر للعام 2011 الذي أفاد بأن معدل القراءة لدى المواطن الصيني العادي يبلغ 4,2 كتابا لكل عام متفوقا قليلا بذلك على بعض البلدان الغربية. أخيرا، فإن اسم مو يان الذي يعني: “لا تتكلم” أو فعل الأمر: “اصمت” والذي سيخلد اسم الرجل ليس هو اسمه الحقيقي، إنما اسمه: غويان مويه، هكذا ببساطة وسخرية أيضا، وكأنه كان يدري مسبقا أنه اختار الصمت عن سابق قصد وإصرار. أسماء الفائزية في 15 عاما في ما يلي أسماء الفائزين في السنوات الخمس عشرة الأخيرة بجائزة نوبل للآداب التي منحتها الاكاديمية السويدية للكاتب الصيني مو يان: ? 2012: موه يان (الصين) ? 2011: توماس ترانسترومر (السويد) ? 2010: ماريو فارغاس يوسا (البيرو) ? 2009: هيرتا مولر (المانيا) ? 2008: جان ماري غوستاف لو كليزيو (فرنسا) ? 2007: دوريس ليسينغ (بريطانيا) ? 2006: اورهان باموك (تركيا) ? 2005: هارولد بنتر (بريطانيا) ? 2004: الفريدي يلينيك (النمسا) ? 2003: جون ماكسويل كوتزي (جنوب افريقيا) ? 2002: ايمري كرتيس (المجر) ? 2001: في.اس. نايبول (بريطانيا) ? 2000: غاو سينجيان (فرنسا) ? 1999 غوتنر غراس (المانيا) ? 1998: جوزيه ساراماغو فوز مو يان يسير سخط الناشطين في قضايا حقوق الإنسان في البيان الذي أصدرته الأكاديمية السويدية وأعلنت فيه فوز الصيني مو يان بجائزة نوبل للأدب لعام 2012،جاء إن الروائي الصيني “يدمج قصصا شعبية بالتاريخ والحاضر، بواقعية تمتزج بالخيال”. واضاف البيان ان “مو يان اقام من خلال الجمع بين الخيال والواقع وبين البعد التاريخي والاجتماعي، عالما يذكر من خلال تعقيداته بعوالم كتاب مثل وليام فولكنير وغابريال غارسيا ماركيز، مع جذور ضاربة في الادب الصيني القديم وتقليد القصة الشعبية”. وقد هنأ لي شانغشون ارفع مسؤول صيني مكلف الدعاية الاعلامية، مو يان على حصوله على جائزة نوبل للآداب، كما ذكرت وكالة انباء الصين الجديدة. وقال لي اول مسؤول صيني يدلي بتعليق بعد منح جائزة نوبل للآداب لكاتب صيني ان “هذه الخطوة تعكس ثراء وتقدم الادب الصيني والتعزيز المستمر لقوة الصين وتأثيرها الدولي”. ودعا المسؤول نفسه في رسالة تهنئة “الكتاب الى وضع الشعب في قلب اهتماماتهم والالتصاق بالواقع والحياة والجماهير”. ولد موه يان العام 1955 وترعرع في غاومي في مقاطعة شاندونغ شرق الصين لعائلة من المزارعين. غادر المدرسة خلال الثورة الثقافية للعمل في مصنع انتاج النفط. وانضم الى جيش التحرير الشعبي في سن العشرين، وبدأ الكتابة عام 1981 بينما كان يمارس الخدمة العسكرية. بعد ثلاث سنوات، حصل على وظيفة مدرس في قسم الأدب في أكاديمية الجيش الثقافية. وتتميز أعمال موه يان بالنقد الاجتماعي، ومتأثر بقوة بافكار لوسون السياسية، وبواقعية غابرييل غارسيا ماركيز السحرية. غالبا ما يستخدم صور مبهرة ومعقدة، وكثيرا ما تتسم بالعنف بيانيا، وتدور معظم قصصه في بلدة مولده. وقد تم اقتباس الكثير من اعماله في السينما كـ”اوقات سعيدة”، وروايته الشهيرة “الفجلة الحمراء” التي صورت الصعوبات التي يلاقيها الفلاحون في السنوات الأولى من الحكم الشيوعي. وقد نشر مو يان عشرات من القصص القصيرة والروايات باللغة الصينية. وروايته الأولى “هبوط المطر في ليلة الربيع” نشرت في عام 1981. وقد ترجمت العديد من رواياته إلى الإنجليزية من قبل غولدبلات هوارد، أستاذ اللغات الشرق آسيوية والآداب في جامعة نوتردام. ومن اعماله “فينغرو فيتون” (1996)؛ وهي ملحمة تاريخية تصف الصين في القرن العشرين انطلاقا من قصة عائلة. وقد نال جوائز عديدة. وفي كلمة ألقاها في الجامعة المفتوحة في هونغ كونغ، قال مو يان “إنه اختار اسمه عندما كتب روايته الأولى. لأنه كان يعرف جيدا انه جد صريح في كلامه، وهذا شيء غير مرحب به في الصين، لذا اختار اسما مستعارا حتى يتذكر بأن عليه أن لا يتكلم كثيرا”. وقال موه في كلمة القاها في معرض فرانكفورت للكتاب عام 2009 وفقا لصحيفة “تشاينا ديلي”: “يجب أن يعبر الكاتب عن النقد والسخط في الجانب المظلم من المجتمع وقبح الطبيعة البشرية لكن يجب ألا نستخدم نمطا واحدا من التعبير”. واضاف “قد يرغب البعض في أن يصرخوا في الشارع لكن يجب أن نتسامح مع أولئك الذين يختبئون في غرفهم ويستخدمون الادب في التعبير عن ارائهم”. وقال عدد من النشطاء المدافعين عن حقوق الانسان وكتاب آخرون ان موه لا يستحق الجائزة ونددوا به لاحتفائه بخطاب لماو تسي تونج. واستخدم مو وكتاب صينيون آخرون مقاطع من كلمات ماو في كتاب خاص بمناسبة الذكرى السنوية السبعين للخطاب. وقال تنغ بي ياو المحامي البارز في الدفاع عن حقوق الانسان قبل الجائزة “على الصعيد السياسي كان يغني نفس اللحن مع نظام غير ديمقراطي”. وأضاف “أعتقد ان فوزه بجائزة نوبل في الادب غير مناسب”. وتابع “بصفته كاتبا مؤثرا لم يستخدم تأثيره للدفاع عن المثقفين والسجناء السياسيين - بدلا من ذلك كان يروج لمصالح الحكومة من خلال كتابة الخطاب”. وقال موه في مقابلة مع تشاينا ديلي “أعتقد ان الكتاب يكتبون بوازع من ضمائرهم.. يكتبون لقرائهم الحقيقيين.. لأرواحهم”. وأضاف “لا أحد يكتب من أجل الفوز بجوائز”. من أعماله: “الفجلة الحمراء” (نشرت لأول مرة في عام 1987 في الصين، في عام 1993 باللغة الإنجليزية)، و”أغنيات الثوم” (نشرت لأول مرة باللغة الإنجليزية في عام 1995)، وانفجارات وقصص أخرى، ومجموعة من القصص القصيرة، و”جمهورية النبيذ” رواية (نشر لأول مرة في عام 1992 في الصين و2000 باللغة الإنجليزية)، و”شي فو: سوف تفعل أي شيء من اجل ضحكة”، ومجموعة من القصص القصيرة (نشرت لأول مرة في عام 2002 باللغة الإنجليزية).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©