الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واشنطن...نفوذ يتراجع في أميركا اللاتينية

17 أكتوبر 2012
مثلت أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، كما وصفها العديد من المراقبين، إحدى أخطر اللحظات التي مر بها العالم، فقد شهدت استعداد الولايات المتحدة للحرب بسبب نشر الاتحاد السوفييتي لصواريخ نووية في كوبا على مقربة من الأراضي الأميركية. ولعل ما يدفعنا للرجوع إلى هذه اللحظة التاريخية هو حلول الذكرى الخمسين خلال الأسبوع الجاري لبدء الأزمة التي كادت أن تقود إلى حرب كونية، وفيما لم يعد لسياسة الحرب الباردة أية أهمية في العلاقات بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، إلا أن أميركا تجد نفسها، حسب "فيليب برينر"، المؤرخ والمتابع لأزمة الصواريخ الكوبية، في ذات الموقع الذي هيأ الطريق قبل خمسين عاماً لاندلاع الأزمة. فمع تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة تمضي دول أميركا اللاتينية قدماً في تنفيذ أجندتها الخاصة بعيداً عن الولايات المتحدة، وكما يقول "برينر" لم يكن احتواء الشيوعية هو المحرك الوحيد الذي دفع الولايات المتحدة للسعي إلى الإطاحة بفيدل كاسترو من على رأس السلطة في كوبا خلال الستينيات، بل كان الدافع أيضاً تخوف أميركا من اقتداء دول المنطقة بكوبا والسير على نهجها، لا سيما اتخاذ مواقفها الجيوسياسية خلال الحرب الباردة، ومن ثم إضعاف القيادة الأميركية في الجزء الغربي من الكرة الأرضية. لكن اليوم وبعد مرور خمسين عاماً على هذه المخاوف، تجد الولايات المتحدة نفسها في ذات الموقف وإنْ كان في سياق معاصر. وعن هذا الموضوع يقول برينر "ما كانت تخشاه أميركا عام 1962 تحقق اليوم، لقد كنا متوجسين من فقدان مجال حيوي نمارس فيه النفوذ، لكن اليوم لا نستطيع القول إننا نمارس ذلك النفوذ، فدول المنطقة لم تعد تنظر للولايات المتحدة من أجل القيادة، لأنها تبحث داخلها عمن يمارس هذا الدور، وإلى حد ما ما زالت كوبا تحظى بالتعاطف الواسع". هذا التراجع الملحوظ في النفوذ الأميركي بالمنطقة، بدأ يتضح بشكل جلي منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 عندما انصرفت أميركا عن المنطقة وركزت على حروبها في الشرق الأوسط وصراعها ضد الإرهاب، وبالتزامن مع ذلك كانت أميركا اللاتينية خلال العقد الماضي تشهد انتعاشاً ديمقراطياً، فيما كان العالم يعيش على وقع تحولات اقتصادية كبرى. فلم تعد أميركا اللاتينية تتطلع إلى الشمال للحصول على الاستثمارات الأميركية، بل حولت أنظارها إلى الهند والصين وروسيا إلى درجة أن الصين تجاوزت الولايات المتحدة كأول شريك تجاري للبرازيل في 2009. هذه العلاقات المستجدة بين أميركا اللاتينية ودول أخرى خارج الدائرة الأميركية تتسم بطابعها الاقتصادي، فإذا كانت روسيا في السابق تنظر إلى كوبا باعتبارها مكسباً استراتيجياً ضمن حربها الباردة مع الولايات المتحدة وتدعم المشروع السياسي للاتحاد السوفييتي على الحدود الأميركية، فهي تنظر إليها اليوم بمنطق الصفقات الاقتصادية في مجال الطاقة، بالإضافة إلى بيع السلاح لدول أميركا اللاتينية، وهو ما يوضحه "أليكس سانشيز"، الباحث في مجلس شؤون الأميركيتين، قائلاً "ستقوم روسيا ببيع كافة أنواع الأسلحة لفنزويلا، ليس لأن الرئيس شافيز يقول إنه اشتراكي، بل لأنه يملك المال للشراء". والحقيقة أن تدفق الاستثمارات الخارجية على دول أميركا اللاتينية من فنزويلا إلى بوليفيا سيساهم لا شك في تكريس التراجع الأميركي في المنطقة، وهو السيناريو الذي يرحب به العديد من قادة أميركا اللاتينية وعلى رأسهم هوجو شافيز، الذي ضمن ولاية أخرى في منصب الرئاسة من ست سنوات، ومعه الرئيس إيفو موراليس في بوليفيا ودانيال أورتيجا في نيكاراغوا، بل إن الذكرى الخمسين لأزمة الصواريخ الكوبية ستوفر فرصة مواتية، كما يقول الخبير في شوؤن أميركا اللاتينية، "ريوردان رويت"، لكي يعبر أقصى اليسار في المنطقة عن دعمه المستمر لكوبا. وبالطبع لم يكن أحد ليتخيل مثل هذا الدعم الصريح والمباشر لكوبا من قبل دول المنطقة قبل خمسة عقود، فحتى قبل اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية ومنذ المحاولة الأميركية الفاشلة لغزو كوبا في خليج الخنازير والولايات المتحدة تضغط على دول أميركا اللاتينية لتعليق عضوية كوبا في منظمة الدول الأميركية، هذا في الوقت الذي انضمت فيه كوبا إلى دول عدم الانحياز، وهي الخطوة التي أخافت أميركا من احتمال احتذاء باقي الدول بها، وكان التفكير الأميركي وقتها يخير دول أميركا اللاتينية إما بالاصطفاف مع أميركا، أو معاداتها. بيد أن سياسة دول المنطقة تجاه كوبا اليوم وموقفهم من عضويتها في المنظمة يدلل بوضوح على مدى اضمحلال النفوذ الأميركي، ففي الوقت الذي كُللت فيه محاولات واشنطن بالضغط لعزل كوبا بالنجاح، فإنها اليوم تواجهها صعوبات كثيرة كتلك التي شهدتها قمة منظمة الدول الأميركية الأخيرة في شهر أبريل الماضي عندما أكد قادة دول المنطقة من جميع المشارب السياسية عدم مشاركتهم في القمم المقبلة إذا لم تكن كوبا حاضرة على الطاولة، هذا المطلب يقول برينر "جاء من الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس الذي يعتبر أحد حلفائنا الأساسيين في المنطقة، بحيث يبدو أن كوبا التي كانت دولة منبوذة في السابق تحولت إلى دولة مركزية في أميركا اللاتينية". سارا ميلر لانا المكسيك ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©