- صعب أن ترى شخصاً متوفاة عنه زوجته قريباً، وهو يعد سنوات الخريف وحده، يبدو عليه حزن باليتم المتأخر، ليس أصعب من فَقد رفيقة الدرب الحقيقية، إن كانت المرأة تترمل، وتعيش وقت عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن الرجل الحقيقي يعيش حزنه الأبدي مع شريط ذكرياته معها، ويظل يتذكر إحسانها إليه، ورفقها به، تضحياتها من أجل أولادها واهتمامها بهم في غمرة انشغالاته الكثيرة، يتذكر طعامها ومرافقتها، روائح بخورها وعطور ثيابها، يظل يتذكر.. ويتذكر كثيراً، غير أنه لا يتذكر في غيابها الأبدي ساعات غضبها وتوترها ونكدها وجدالها ومناكفاتها، لم يعد يتذكر إلا حُسنها وإحسانها.
- مستحيلة الثقة في أرملة تصر على أن ترتدي ثياباً أصغر من عمرها، لا تعرف ماذا تريد أن تثبت لنفسها وللآخرين؟ ثياباً من تلك التي فيها تخطيط جلد النمر، لا أدري لِمَ ذلك اللون يذهب بالاحترام، والثقة بالنفس، وينزع من المرأة حشمة الأنوثة.
- هناك نساء يصلن عمراً معيناً، وفجأة تظهر البشاعة بكل تجلياتها الغائبة، والتي ظلت تسكّنها بالتفتيح والترقيع، لِمَ البعض منهن لا يعطين لكل مرحلة عمرها، وقتها، وجمالها وطابعها؟! لا يمكن أن تتحمل عجوزاً، وهي تتنطط مثل صبية غرّة، لا يركب هذا على ذاك، هؤلاء اللاتي لا يراعين ذلك التحول المفاجئ الذي يطرأ على العمر، وحكمة سيرورته وصيرورته، تغدو الواحدة منهن مثل كاهنات المعبد المتهالكات، وتبدو أنها مُسخّرَة للبعض ممن يمتهنون اصطياد الأرامل الطروبات، أو تجدهن من حظ الأميركيين الذين لا يهتمون بالتفاصيل، ولا تعنيهم الأحجام، ولا تلك الرموش التي تشبه رموش طائر بوم عجوز، ولا تلك الأصباغ التي تكفي لدهن سيارة صغيرة، ولا يسألون هم أصلاً عن «الغوى والهوى».
- هل العدالة المطلقة في مباريات كرة القدم، بفضل التقنيات الكثيرة التي أدخلت على اللعبة، والرصد التصويري، والقياسات بالثانية والمليمتر، ستفقِد اللعبة حلاوة التخمين والنقاش والاختلاف وجمال اللعبة، والاختلاف عليها، والملاسنة من أجلها؟ هل ستقفل استوديوهات التحليل الرياضي أبواب دكاكينها، وتسرّح أولئك اللاعبين القدامى الذين امتهنوا الحديث بعد ما فقدوا مهارة القدم، وأن بعضهم عمّر في استوديوهات التحليل أكثر مما عمّر في الملاعب، وبعضهم الآخر عرفناه في الاستوديو، ولم نعرفه كثيراً في الملاعب.
- تصور أن تكون في كوبا، مستمتعاً بأجواء هافانا الساحرة، تجوب أزقة شوارعها القديمة الضيقة، بتلك السيارة الكلاسيكية الخمسينية، وتتوقف لتشهد عزف فنان على قيثارته، مستدعياً ذاك الحنين للثائر الرمز «غيفارا»، أو تجبرك المشاهد البسيطة على التوقف عند بيت من زمن إسبانيا، حين غامر الإسبانيون بعيداً إلى هذه الجزيرة ليبنوا بيوتاً ظلت شاهدة على مضي أربعمئة سنة مما يعدون، تجذبك رائحة السيكار، وجَلد أوراق التبغ الطرية لذلك المصنع العريق، تترجل لكشك صبية كوبية تبيع مشروبات «تروبيكانا» باردة، وفجأة يرن هاتفك الذي ظل صامتاً لأيام؛ لأن الاتصالات في كوبا لا تعترف به، لأنه من صنع أميركا، وتأتيك تلك المكالمة الوحيدة لتخبرك أن «الدينمو» خربان، وأن المزارع هرب، والدريول دعم بسيارة البيت!
- صعب أن ترى عليباء حكم في آخر لحظات المباراة، خاصة حين يكون فريقك مهزوماً، ولا يمكنه التعويض فيما تبقى من دقائق، وتشفق عليه وعلى عليباه الذي يَصلّ عرقاً، أو يمكن أن تتعاطف معه أو تحبه، أو يمكن أن تتغاضى عن هفواته التحكيمية!