- لا يحزنني مثل رؤية نهر يُترك أن يشيخ وحده، متخلياً عن سيره الأبدي حين كان بعافية الدنيا، وهو يطوف منازل القرى، فارشاً الأخضر على جانبيه، نهري الذي أجلس قبالته، أثار شجن النفس، وقد تيبست أطرافه، وشح ماؤه، وأصبح يسحب أطراف كفنه ليجف في عمق حفرة كبيرة هي قبره الذي لا يريده لنهاية هرمه.
- لِمَ حينما يكبر الإنسان في العمر يبدو أكثر عناداً، وأكثر جدلاً، وأكثر انتقاداً للناس والأشياء، ولا يثق في أحد بسهولة، تبدو المساحات أمام عينيه أضيق، ويبدو هو عدوانياً تجاه الفراغات التي تدل على المجهول القريب الذي يخافه!
- هناك حماقات صغيرة في الحياة، وكنا نعدها في وقتها كبيرة، ولا يمكن أن نتنازل عنها بسهولة، وربما لو كلف الأمر موقفاً حاداً من أجلها، ولكن مع العمر وحينما تراجعها في وقتك الطويل، وفراغك المؤلم تشعر أنها أعشاب صغيرة يابسة، وغير ضارة، ولا كانت تحتاج إلى ذلك التأزم في حينه!
- بين الأزواج ثمة مناكفات كانت وقتها متعبة، وتتطلب وقفة عز، وكبرياء لا يمكن أن يتنازل فيها طرف لآخر، وقد تكون مدمرة للحياة الهانئة التي كانا يعيشانها، وحينما افترقا وجدا خلفهما كثيراً من الشوك البرّي الذي كان يمكن أن يزيحاه من طريقهما، ويمكن فيه للغنم والبهم أن ترعى خلفهما المكان!
- ثمة صداقات نتأسف عليها، وثمة عداوات نندم عليها، وحدها الحياة بتجاربها يمكنها أن تسقينا سكرات الصداقات، وتمنحنا نياشين العداوات!
- هناك أناس يكون بودك لو تعتذر لهم، لكنهم لا يعطونك تلك المكرمة، إما لأنهم أكبر منها، وإما أن يكونوا قد غابوا في الحياة، ولا يعني لهم الاعتذار أي معنى!
- هناك أناس تخبئ لهم شكراً متواصلاً، ولا تعرف أن تترجمه لمفردة تفرحهم، ولا هم قادرون أن يستشفّوه من حنايا ضلوع الصدر، ومن الآهة التي تجرح أطراف الحنجرة!
- ليس مثل أولئك النفر الذين جاءوا مرة، ومعهم التعطيل، وفساد الأشياء، وأيديهم ترتجف بالخراب، طبخوا السم، وهم يدرون أنه بداية العذاب!
- هناك أشخاص يمرون عليك في الحياة، تتذكرهم دائماً كأشباح عابرين أو كظلال غير دائمين، يطوفون أمام العين، لكن لا تتذكرهم إلا كما تتذكر عصف الريح، هبّ مرة، وسكن، ولا تتذكر لهم موقفاً كالرجال، فتغمض عينيك على ذلك المشهد، وتقول: كفى!
- ثمة أماكن تذكرك بأناس، وطيب ذلك المعشر، وثمة أناس يذكرونك برائحة الأماكن، ودنو المطر، هما مثل عود البخور، حتى حريقهم يجعلون منه احتفاء، ونشوة للآخرين!
- لا أعرف لِمَ يصرخ الإنسان حينما لا يعجبه شيئٌ؟ وكأنها ردة فعل طبيعي، الصراخ مرتبط بالألم والوجع، فهل ما لا يعجب النفس يؤلمها!
- ليس ألذ من حكمة تذوب في الفم، وليس أطيب من نفس طيّب يجول في أركان البيت، وليس أجمل من خضرة تكحل هدب العين، فليت شيئاً من عسل وعنب، ونخل كثير، يظل تباشير لصباحاتنا التي وجهتها الخير.. والخير دوماً!