قد تلخص حكاية هذا المسجد الصغير في باريس، قصة الإسلام ومستقبله في الغرب، هي محاولة للمقاربة، والقراءة فيما لو ترك العقلاءُ الجهلاءَ المتأسلمين يسيّرون أمور الدين الإسلامي السمح في الغرب، ويخلقون صوراً مشوهة للمسلمين الحقيقيين، وهي وقفة تبصر حين تحول دار لعبادة الرحمن، لدار تقاد من قبل الشيطان، كان ذلك المسجد الصغير، والذي اقتص من مرآب دارة كبيرة تابعة للبلدية في حي راق، دفع ثمنه مسلمون يريدون الخير، ويرغبون في صلاة الجماعة، وساهم معهم أصدقاؤهم من غير المسلمين، ممن يعشقون الحضارة العربية، ويؤمنون بما قدمته من أشياء تنويرية لأوروبا في العصور الوسطى، ونتيجة صلات، وأسفار للمشرق، ونتيجة إيمان بأن يمارس الإنسان شعائره الدينية، كجزء من حرية شخصية، كما أدت البلدية دورها، وسهلت الأمور، وخفضت من قيمة العقار، لكنها اشترطت عدم وضع السماعات في الخارج،  وعدم رفع الأذان خمس مرات في اليوم، وعدم تمييزه بمئذنة أو قبة أو غير ذلك، لاعتبارات عمرانية ومعمارية، وتحول ذلك المرآب إلى مسجد بسيط، كيفما كانت المساجد في بداية عصر الإسلام الأولى، وشطر بحاجب لصلاة النساء في ركن قصي منه، ظل ذلك المسجد يؤمه الناس الساكنون، وأعدادهم في ازدياد، خاصة في رمضان، وليالي صلاة التراويح والتهجد، وظل يتردد على ذلك المسجد زوّار عرب ومسلمون عابرون، وضاق المكان، خاصة أيام الجُمع، وسمح لهم تجاوزاً بأن يصلوا في العراء، وفي أجزاء من المكان غير الخاضعة للملكية الخاصة، وظل ذلك المسجد طويلاً يؤدي دوره بسماحة، تنقص سجادة، يحضرها شخص من تركيا، تأتي زوجة دبلوماسي من الخليج تحضر المدخن والبخور معها للمسجد، تحتاج جدرانه للإصلاح والطلاء، يتبرع بنّاء جزائري بالإصلاح والصبغ، بعض المواسير قديمة وتحتاج للتبديل، يتبرع الناس بعد الصلاة بالنقود، ويتبرع مسلم من أفريقيا بالعمل مجاناً لإعادتها جديدة، وفي ليالي رمضان تجد الفطور الجماعي، والسحور الجماعي، كل حسب قدرته، وهكذا كبر المسجد، وظل قائماً لسنوات طويلة، وكثرت المصاحف والكتب فيه، وكثرت سجادات الصلاة، وكثر الناس فيه، وفجأة وفي غفلة من المصلين، المأمومين، تسلل لذلك المسجد الصغير الذي كان في يوم مرآباً قديماً بشر تظهر في وجوههم سيماهم من أثر السجود، وتكفلوا بالمسجد، نظافته، وصيانته، وتأمين بعض الطلبة «المشايخ» الدارسين في الخارج، وفي رمضان يأتي مبعوث خاص يقيم الشهر، ويلقي المحاضرات والدروس الدينية، ويسأله الناس عن الصغيرة والكبيرة في حياتهم، وكيف يتعاملون معها من وجهة الشرع، وهو يجيب، ثم تغيرت الوجوه، ما عدا سيما الوجه من أثر السجود، وظهر الإرشاد، والتوجيه، وظهرت نساء داعيات، طلبن من النساء التشدد والخمار والحجاب، وتغير لون المسجد الأخضر، وصار ضارباً للرماد، وأصبح يؤوي أناساً يظلون «يصلون» خارج أوقات الصلاة، ويخزّنون أشياء من الحرام، ويفكرون بالشر!