مثل حلم الطفولة، مثل اصطفاق جناحين ساحة الرفرفة يبدو العيد في عيون الناس، وتبدو صباحاته مبهجة والقرية هي الأشد ابتهاجاً في العيد، لأنها لم تزل في ثوب الصفاء ولم تخلع عباءتها المبخرة بالدخون، ولم تتخل عن دخان الهريس لتطعم الأحبة والجيران.
هكذا هي القرية مجبولة على حسن السيرة والسلوك، وعندما يحدث الضجيج قريباً منها، فإنها تتحاشى الإزعاج، فتبعث برسالة شفوية إلى الطير كي يقدم مسرعاً ويباشر في ترتيل تغريداته حتى يضفي جواً من الرومانسية كعادته، وكما عاشت عليه القرية وهي تهدهد سكانها، وتربت على أكتافهم موحية إليهم بأن الحياة لا تستقيم من دون فضاء يعمه الهدوء، وتطوقه السكينة.
منذ زمان والقرية ترتب وجدان سكانها على هذه الشاكلة، ولذلك عندما يأتي العيد لا تجد صعوبة في استقباله بفرح وأريحية وتقديم كل ما أمكن للتعبير عن الحفاوة بهذه المناسبة الدينية، والاجتماعية ومن يتأمل عيون الأطفال وهم يقتربون من الكبار يشعر بمدى أهمية أن نكون صاغراً دوماً وحتى في سن الشيخوخة، لأن ما بين الطفولة والقرية شريان حياة ممتد من نياط الطفولة حتى جذر غافة يسكن عند أراف قرية صحراوية.
الطفولة هي أغنية القرية التي نستها المدينة عندما ابتعدت عنها منكفئة على نفسها بين جبال من الشاهقات الأشبه بأسود هرمة.
ونحن في الأواخر من الشهر الفضيل، نرى العيد يطل من خلال نافذة الصغار الذين يستعدون لاستقباله ويبتاعون أجمل الملابس لملاقاة حبيب القلب، الأطفال هم الرسالة أو الطرس المطوي على معنى الحياة.
ومضمون الحب، وجوهر السعادة، هم الذين يدلوننا إلى مكان الفرح ويشيرون إلى قلوبهم عندما يتم ذكر العيد فنرى الأيدي الصغيرة تستقر عند ضله جهة الشمال، هناك حيث يختبئ بندول النبضات، هناك يستقر الطائر المغرد دوما، والسارد حكاية الإنسان والحياة، وعلاقة الحياة والفرح، وقدرة الحب على صناعة الفرح حتى في أصعب حالات الحياة. في القرية يكون شكل الحب واضحاً ونقياً وأبيض مثل ثياب الطفولة في العيد، مثل نجمة تتلألأ في ليالي القرية من دون أن تطاردها الأضواء المصطنعة.
كلمة عيد تحمل في طياتها رائحة الكحل بين جفني حمامة برية تهفو إلى التحليق في فؤاد المحيط، وتسرد قصة اللهفة في وجدان العشاق في صباح عيد قروي يتهلل بمزاج بشري منفتح على الوجود، وهو في ذروة امتثاله لحياة تتجدد، ولكنها لا تفقد البريق الترابي، ولا تخسر مهارة العيون الحور في مشعاتها اللاهبة.