عندما يدعى الإيطالي أريجو ساكي، المدرب الذي أحدث واحدة من أجمل ثورات كرة القدم العصرية، إلى تصنيف المدربين في الوقت الحالي، فإنه لا يتردد في تقسيمهم إلى ثلاثة مستويات.
مستوى متدنٍ، وهو يضم مدربين يتعلقون بكرة قدم قديمة، ينتجون كرة قدم لعبوها أو تعلموها من مدربين سبقوهم بعشرين عاماً، وتلك كرة قدم عتيقة تجتر أساليب لعب ركيكة ومتجاوزة.
وهناك المدربون الوصوليون الذين لا معارف ولا شغف لديهم، إنهم يستنسخون موضات تكتيكية، من دون قدرة على إنتاج الوصفة المربحة.
ثم هناك النبغاء الذين يسبقون في واقع الأمر زمنهم، أولهم بحسب ساكي هو جوارديولا، وبعده يأتي أنشيلوتي، وحتى مورينيو.
جوارديولا عند ساكي ليس عبقرياً فقط، بل إنه ظاهرة، هو دائماً يجدد ويبدع ويغوص عميقاً في أغوار فكره، ليعثر على كرة القدم الجميلة، وهي ليست إلا تحقيق نسبة عالية من الجمال في الانتصارات.
والذي يقرأ جيداً السيرة الذاتية لأريجو ساكي، نشأته وطفولته وبيئته الفكرية، المقترنة بزمن بلغ فيه الإبداع الإنساني ذروته، سيدرك جيداً لماذا كان ساكي هو صانع هذه الثورة التي ستهز كيان كرة القدم الإيطالية، فالعالمية، هو مبدع هذا «البرسينج» الضاغط الذي سيغيّر بالكامل تضاريس كرة القدم الإيطالية، ليخرجها من بوتقة «الكتناشيو» الذي نسج خيوطه المعلم هلينو هيريرا، ليخلصها من الدفاع الخرساني، ويجعل منها كرة قدم تعشق الهجوم؛ لأن الهجوم هو الأصل، ومن دونه لا تتحقق الأهداف.
استهوى ركوب الدراجات وممارسة التنس، أريجو ساكي، فعشق فيهما التحرك دائماً نحو الشباك والضغط على الزناد للهروب أكثر نحو المستقبل، فقال، «لماذا لا أفعل الشيء نفسه في كرة القدم؟ ألم يُوجد الرواد كرة القدم من أجل تسجيل الأهداف، لماذا إذا ندافع أكثر مما نهاجم؟ 
كانت تلك هي الفكرة التي ستتحول في ذهن ساكي إلى قناعة راسخة، أو إلى يقين لا تطاله ذرة شك واحدة، الاقتناع الكامل من أن الضغط أو «البرسينج» العالي بمحاصرة المنافس في منطقته وخنق شريانه وزعزعة دفاعاته وتركيزه، هو الخيار الأمثل لربح المباريات.
كان على ساكي، وقد أقنع نفسه بجدوى «البرسينج»، كمنظومة لعب مستحدثة، أن يقنع لاعبيه بمثالية هذا النمط التكتيكي، برغم ما سيفرضه من متطلبات ذهنية وبدنية مرهقة، وقد نجح في ذلك لأبعد الحدود، عندما جعل من الميلان بين 1987 و1991 الفريق الذي تسيد كوكب كرة القدم.
جعلنا أريجو نقتنع أن كرة القدم تلعب بالعقل قبل الأرجل، تماماً كما أقنعنا أمهر الرسامين أن اللوحات ترسم بالعقل قبل اليد، وأن لا وجود لفن من دون هوس. 
وفي زاوية قادمة بحول الله، سأطرح أمامكم هذا الفن الكروي الرائع والخلاب الذي أبدعه ساكي.