الأولون هم الذين نسقوا شرشف الموجة، وهم الذين وضعوا الإثمد بين الرموش، وهم الذين نسجوا خيوط الطموحات على الرمل، وهم الذين سيجوا الصحراء بأثر الأقدام التي رسمت الملامح، ونقشت حروف الإرادة على صفحات التراب النبيل، وهم الذين ساقوا قوافل الحلم، لكي تضع ثمرات العز على جفن السواحل، وهم الذين عانقوا الغيمة، وقبلوا شغافها، كي تمطر وعداً أبدياً يتحدى مواسم الجفاف، وهم الذين ربتوا على كتف الحقيقة، لتسرد قصة قوم استيقظوا صباحاً مع هديل الطير، وساروا زرافات مؤزرين بالأمل، محملين بنوايا الغافة الأصيلة، متوجين بطاقات أشبه بحركة الجداول بين أضلاع النخيل، مكللين بابتسامات أشبه بجذل السنابل في بساتين الحياة، هم الذين استوعبوا أبجدية الكفاح من أجل سدرة ثمارها تفاحة الوجد البشري، هم الذين صعدوا كرب النخلة، وتجاوزوا حدود العرق الصيفي، من أجل عناقيد تسر الناظرين، من أجل رطب جني، طعاماً لصغار انتظروا عودة الزاحفين على رمل التعب، وبين أيديهم (مخرافة) فسيفساء الأصفر والأحمر، والشهد الأسود يمرق من بين أصابع اللهفة.
الأولون هم الذين زرعوا لنحصد، وهم الذين رموا صنارة التأمل، لنصطاد ذوي الزعانف وهم الذين عبروا البحار، لنمر نحن من خلال الموجة المروضة، هم الذين سنحوا لنا كي نعوم من دون خوف من غرق، عندما وثقوا مآزرنا بمجاديف المبادرات النيرة، هم الذين أسكنوا الريح كي نمضي، وهم الذين دجنوا الصعاب كي نمر بلا سغب، وهم الذين سحتوا العصا كي نحملها من دون شوك، أو نتوء أذى، هم الذين لونوا الأفق كي نصل إلى مرافئه من دون تعب، هم الذين شقوا ثوب الحقيقة من دبر، كي نكون في العفوية أنهاراً تجري في ثنايا الجذور، هم الذين ناولوا النوارس الأجنحة كي تحلق وترفع النشيد عالياً، هم الذين رشوا المياه الباردة على وجوهنا، كي تنشط عروقنا في الصباح الباكر، ونذهب إلى حيث تنمو الأعشاب القشيبة.
هم الذين خضبوا كف البراءة في نفوسنا، كي تصبح حمراء قانية من غير سوء، هم الذين زفوا عرائس الفرح لقلوبنا حتى نشرق مع الحياة، بوجوه سحناتها كما هي ابتسامة الصحراء، كما هي منمنمات اللوز في فصل الصيف.
الأولون، هم الثراء الذي منحنا ترف الانثيال، ورخاء السؤال عندما تبدو الطبيعة كتاباً في سطوره تكمن أصل الرواية، وبوح الحكاية.