لأن في الحلبة جياداً لا تخفف الوطء، ولأن النخلة ترفض أن تنتظر سخاء الغيمة، ولأن الجدول هياب، لا توقفه الصخور الكأداء، ولأن الحلم أوسع من محيط الجوائح، ولأن العين كحلها من إثمد الإصرار، ولأن العقل له أنامل تلمس المجد، فتخطب وده، فيأتي جذلان، طيعاً، مستجيباً، مهبطه أرض لا تنبت أشجارها سوى الأمل، ولأن القلب أخضر كما هي الغافة في عز الظهر، وفي زمن القيظ، ولأن الروح لها أجنحة التحليق، فلا تنقبض، ولا تنقرض، إنها النورس على ظهر موجة، ولأن النفس ريانة بالهوى، لا تقبل إلا قصيدة العشق الأبدية.
هكذا هي الإمارات واجهت عسر الجائحة، بقبضة فولاذية لا تنكسر، ولا تنحسر، ولا تبتسر، ولا تتوارى خلف دموع الأسف، بل هي زورق النجاة في حالات العسر، هي موجة الاقتحام في وقت البسر، هي ابتسامة جلية ساعة الفجر، هي بريق في الفضاءات لا يمنعه قعر.
اليوم ونحن نمر في أزقة الجائحة، ونعبر من خلال مؤسسات صحية تفيض بالنبل، وشهامة التضحيات الكبرى، استطاعت بلادنا أن تثبت أنها جديرة بدخول القرن الحادي والعشرين، بسلاسة الخاتم في أنملة ناعمة الملمس، اليوم ونحن ننظر إلى الواقع نرى أنفسنا قد تجاوزنا الكأداء بفضل من ينعمون على الإنسان بعطائهم، وبذلهم، وسخائهم، وقدرتهم على الصمود، والإصرار على دحر الجوائح، وكسر حدتها، وقطع مخالبها، وتحطيم أنيابها، والدخول في حلبة السباق العالمي نحو مستقبل زاهر، ومبهر، من دون تذمر، أو تبرم، أو إدانة، أو تقاعس، أو كسل.
الأمور تسير على ما يرام، والحياة كما أنها تنذر بالأخطار، فإنها معشوشبة بالسلامة طالما آمنا بأن الطريق إليها ليس مفروشاً بالسجادة الحمراء، وإنما الوعي بأهمية أن نكون حاضرين بكل إمكانياتنا، وقدراتنا، وقوتنا، نستطيع أن نهزم العواتي، وأن نكبد الصعب الخسائر الفادحة، ونمضي في الطريق ونحن حاملون الرايات البيض بكل فخر واعتزاز.
الإمارات تعافت قبل غيرها، لأنها متشافية مسبقاً من وكل ما يعرقل التفاؤل، وكل ما يعيق الفرح، وكل ما يقف صخرة صلدة في طريقها إلى الأحلام الزاهية.
الإمارات حققت نجاحها بقوة الإرادة، وصلابة العزيمة، وجسارة العقل، مما جعلها تقتحم اللعبة الكونية بسهولة ويسر، وسلاسة، متسلحة بالإيمان بأن الحياة كفاح، ومواجهة المعضلات تحتاج إلى رجال أشداء في ساعة الوغى، الإمارات لم تفكر في نفسها، أو شعبها فحسب، بل هي تجاوزت القارات، ووصلت إلى الأصقاع، لتقدم ما لديها من إكسير النجاح.