لدى بعضهم تاريخ من اللغو، واللهو، ومضغ الكلمات كما تفعل بعض الكائنات عندما تجتر طعامها البائت، وليس لمناسبة دينية أن توقف الهدير والزئير، وتلجم اللسان عن قول ما يجب قوله على أقل تقدير في هذا الشهر.
ربما لأن بعضهم يرى في النميمة وذكر سيئات البشر، علاجاً نفسياً يخرجه من عقد النقص، ومركبات الدونية، لأنه ما من سبب يرغم الإنسان على فتح بث مباشر، وعلى مسمع ومرأى من الملأ، لأجل إذاعة خبر عن زيد من الناس بأنه شخص سيئ، ولديه تاريخ من الزلات، والهنات والكبوات، والهفوات، وركلات الجزاء الطائشة. 
مثل هذا الاعتناء بالوقت والمكان، والفرص السانحة لا يمكن أن يقوم به شخص عاقل إلا إذا كان الأمر يخبئ داء ما في نفس هذا الشخص النمام، والمشاء بزنيم، والمعتد الأثيم على سمعة الآخرين.
دائماً ما تفتح نوافير الغث، والرث بعد ساعة أو أقل من الإفطار، في هذه الفترة تستعر الحناجر، وتسجر الآذان ويحمى وطيس المشاعر، والهواتف النقالة تحمل كل هذه الأوزار، وتقذفها في فراغات الذمم المهدورة، والقيم المبتورة، وكل يسطر ما يهوى وما يريد، وينقش خضابه العفن ويمعن في بسط السجادات البلاستيكية الرثة، والبدء في فرش مائدة الذم في سمعة الآخرين مع الإحساس باللذة، والانتشاء من سماع الطرف الآخر المؤيد، والمحرض، والمساند لأجل مزيد من النيران، ومزيد من إضافة الكيروسين على نار الشتائم، وتشويه سمعة الآخر.
إذن أليست هذه إسقاطات ناتجة عن مشاعر مكلومة، وروح مهمومة، ونفس مأزومة؟، يحاول هذا الشخص أو ذاك كي يقنع نفسه بأنه ليس وحده الذي يخطئ، بل هناك من يتحملون أوزار أخطاء أثقل منه، وبالتالي عليه أن يرتاح، وكما يقول المثل الشعبي: «كلنا في الهوى سوى»، بمعنى «ما في حد أحسن من حد»، وبذلك يتخلص الشخص النمام من عقدة الذنب التي قد تلاحقه، مقتنعاً بأنه ليس وحده في هذا العالم الذي يرتكب الأخطاء.
وهذه حقيقة معضلة يعاني منها كثير من الناس، ولأنهم لا يملكون الحل السحري للتخلص من مشكلتهم، فأنهم يلجؤون إلى الإسقاطات وهي الأيسر، والأسهل ولكن .. ولكن ألا يحق لشهر رمضان أن يخفف هؤلاء الوطء، على الأقل، احتراماً لحرمة هذا الشهر الفضيل، وإراحة ألسنتهم من «اللت والعجن».