في الحرب الدائرة في غزة، نستمع إلى محللين عسكريين، وكأنهم تعاطوا مشروباً مسمماً أو وضعوا على عيونهم لحافاً من الصوف بحيث لا يرون الحقيقة.
 وأعتقد أن هؤلاء المحللين هم نسخة متجددة من أولئك المحللين الذين نظروا، ونظموا حملات تحليلية مضللة في الحرب على العراق، وظلوا يرفعون العقائر، ويصرخون، ويهللون لانتصار الجيش العراقي على الجيوش الجرارة التي جرت الويلات لهذا البلد المأزوم بكذب الدجالين والمهرطقين، ولم نصح إلا على نهاية حرب فتكت وهتكت، وتركت تحليلات المنظرين، وكأنها الزبد بين شفاه ذبلت، وهي تلحس كلام الكذب والهراء والافتراء على الحقائق.
هؤلاء يظنون أنهم بتكبير الصورة الهلامية يصنعون النصر المؤزر، ولا ينصتون للصوت الفلسطيني الخارج من تحت الركام، ويصرخ للمغيث بأن يهرع، ولو بإزميل نجاة كي ينقذ النفس الأخير المتعثر تحت الغبار والتراب، وصلف الأحجار الضخمة التي تسحق الأجساد.
ما يحدث في غزة ليس بحاجة إلى تكبير الصورة الخرافية بقدر ما هو بحاجة إلى قوة الضمير التي تذهب إلى النداء الأخير لوقف الحرب، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فغزة بحاجة إلى الأوفياء كي يمنعوا النيران من الوصول إلى سقف الخيمة، ويتدخلوا بقوة إرادتهم، وحبهم للسلام العادل والشامل، والذي يجعل للفلسطيني وطنه الممتد من قرارات الأمم المتحدة التي حددت شكل الدولة الفلسطينية ومضمونها سنة ألف وتسعمئة وسبع وستين، والقدس الشرقية عاصمتها.
هذا ما يريده الفلسطيني المحاصر على رقعة أرض بحجم كف اليد، وهذا ما يوده ويتمناه الطفل الفلسطيني، كي يستطيع أن يلعب مع أقرانه من دون حواجز تعيق فرحته، وهذا ما تتمناه المرأة الفلسطينية كي تجد متاع أسرتها من دون إذن من الغير كي يسمح لها بتوفير الغذاء والماء والكساء والوقود، هذا هو المطلب الفلسطيني الحقيقي، ولا يحتاج إلى تحليلات مضاءة بمصابيح مقلدة سرعان ما تنطفئ عندما يحين تجريد الحسابات من الحشو، وفيض الأكاذيب.
وعلى هذا الأساس تتحرك الإمارات بصحبة العقلاء والأوفياء، والمخلصين من أجل إطفاء الحريق بعقلانية، وليس برشاشات الحماقة، والشعارات التي تملأ الفضاء ولا تنير الأرض.
هذا ما تتحرك نحوه الإمارات مع الأصدقاء الذين يؤمنون بالسلام لا بالحرب، ويقدمون الحب على الكراهية، ويثقون بالتضامن كعنصر بناء ونهضة، وتحقيق طموحات شعب تكفيه سنوات التعب والشظف والحصار.
هذا ما ترغب الإمارات في تنفيذه على أرض فلسطين، لأجل البسطاء الذين يريدون الحياة، ولا يريدون الموت، الذين ينظرون إلى العلاقة مع الآخر نظرة تكامل لا تضاد.
هذا ما تسعى الإمارات لتحقيقه، من أجل شرق أوسط خال من التشنجات، ومن التصريحات الرنانة، وكأنها فرقعات ألعاب نارية، وهم في منأى من النيران، وسمعنا من قالوا لسنا في الحياد، وها هي غزة تحترق، وهم لا يزالون يثرثرون عبر المنابر، ولا صوت لديهم إلا صوت الفراغات المتناهية إلى آفاق حالكة، لا يحس بها إلا الفلسطيني الذي يصحو وينام على صرخات الثكالى والأرامل، والأطفال.
أزمة المنطقة اليوم مع الدجالين، وقارعي طبول التحريض على الشر، أزمتنا مع أكثر من مسيلمة، وأكثر من ميمون القداح، وهؤلاء يعيشون على هذه الأكاذيب، بالتذرع بالمحاور، وهي أشبه بسدود الطين، سرعان ما تتهاوى لمجرد زخة مطر، تشيع الفزع في مكوناتها، والله المستعان.