إن الحب مثل العلم في ارتباطه بالمسؤولية والإنسانية، وتلك المسؤولية ليست صغيرة بل هي أشبه بجبل من السهل الصعود إلى قمته أحياناً بإرادة الله والصدف والحظ عندما يتحالف مع الواقع، ولكن من الصعب أيضاً تفادي الانزلاقات السحيقة التي تنتظر وطأة قدمٍ فارقت صاحبها ثقته بالنفس وتملكه الغرور. المسؤولية هي أن يكون حب الوطن أكبر من حب الذات، نحن لا نمنّ على وطننا بما نحرزه في حياتنا من إنجاز بل نفتخر بأن لنا قيادة علمت وربت وفكرت في الصغيرة قبل الكبيرة، وها نحن ننهل من العلم ونعمل بصمتٍ، وندعو الله أن يبيض وجه مسؤولينا ويوفق القيادة الحكيمة، وأن ينال إعجابهم ورضاهم ما نقدمه من عمل.
في مؤتمر الجمعية الأميركية للتاريخ الشفاهي جلست للغداء إلى طاولة بدت على مشاركيها الثقافة والتسامح. نظرتْ إلى بطاقة اسمي سيدة تعمل في هيئة الجنسية والهجرة وسألتني: «أنت تحضرين من كل هذه المسافة لأجل هذا المؤتمر؟» فأجبتها: «نعم، يا سيدتي الكريمة لو لم أحضر لن يكون لي على هذه الطاولة وجود، وقد لا تعرفين اسمي أو أي شيء عن ثقافة دولة الإمارات العربية المتحدة سوى ما ترينه في الإعلام»، فبادرتني قائلة: «لا تكملي ولديّ العديد من الأسئلة».. وصرت أسرد عليها مراحل التأسيس والدور التاريخي المؤسس للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتمكين المرأة ودور سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، في خروج المرأة للعلم والعمل، ونهج أبناء الشيخ زايد الكرام الذي استدام التسامح والخلق الحسن والسمعة الطيبة. والتفتت من حولي فإذا بأكثر من 60 عيناً من حولى لآخرين تركوا ما بأيديهم والتفتوا يسمعون ما أقول. قال لي أحدهم: «متى ستكون محاضرتك؟»، قلت له ضاحكة: «الآن.. هذه هي مداخلتي وقد شارفنا على النهاية»، فقال بإعجاب: «ليت لنا بقعة كالإمارات ننعم فيها بأمنٍ في داخلنا واستقرار في أنفسنا، أنتم قدوة للعالم كله، قرأت في أحد التقارير العالمية أن لجواز سفركم إشارة مرور خضراء فتفتح الدنيا لكم أبوابها حيثما ذهبتم، ما هو السر في ذلك؟»، فصرت أدعو الله في خاطري: «اللهم احفظ الإمارات من الحاسدين»، وكان ردي عليه: «سيدي الكريم، نحن نرى أن العلم يأتي قبل القول والعمل!» والله جلّ جلاله يأمرنا بالعلم الذي يُرفَعُ به المرء درجات كقوله ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾. تبادلت بطاقات التواصل معهم بطاقتي بمسحٍ إلكتروني وبطاقاتهم ورقية فقال أحدهم: «هذه هي الاستدامة الحقيقية.. تقليص الورق والطباعة.. حتى في هذه سبقونا».
للعارفين أقول: أن يتسلح المرء بالعلم ويتحلى بالأخلاق والنيات الصافية فهذا من أهم عناصر ومقومات وأعمدة الآدمية التي عُرف بها الإنسان. يقول الفيلسوف الصيني لاو تسي: إن على المرء أن «ينتبه لأفكاره لأنها تصبح كلمات، وأن ينتبه لكلامه لأنه يتحول فيصبح أفعالاً، وعليه أن يراقب أفعاله لأنها تتحول إلى عادات، وأن ينتبه لعاداته لأنها تصبح من سماته الشخصية، وعليه أن ينتبه لشخصيته فهي تحدد مصيره». نعم، العلم يأتي قبل القول والفعل.