في حروب العقل الداخلية تمتزج العواطف مع النظريات والمنطق بالمعتقدات، فتتحول الإيحاءات والدلالات إلى عوالم غير مرئية يختلط فيها الزمان مع المكان، وينفصلان في خطوط متوازية لا يلتقيان مهما امتدا. هذه الحروب تُسيرها جيوش من الأفكار والمبادئ، فإن كان الجيش قوياً ومستبسلاً جاء السير قدماً نحو البناء والعطاء بنتائج بديعة الجمال، وإن كان ذلك الجيش «معثوراً» تسوقه الوساوس ويتحكم فيه المزاج فلا داعٍ لإكمال هذه الجملة. إن الفرق بين الفارس والمتفارس هو «صيدات أمس».
لقد علمنا أهلنا أن القوة الذهنية تعني الصبر، فهو عماد الحياة التي عاشوها، وأذكر أني قلت لوالدتي ذات يوم: «وحليلكم صبرتوا على الشيء الوايد» فردت:«أستغفر الله العظيم، انتوا اللي وحليلكم ما طعمتوا العلقم ولا تعرفون الصبر ولا تداويتوا به»، عبارة استوقفتني طويلاً وكثيراً فهي ترى الصبر دواء وليس ظروفاً من ظروف الزمن، كما أدركت لاحقاً أن الصبر ليس مراً بل هو جميل. إن القوة الذهنية التي زرعوها في أعماق وجداننا بسردهم لمرارة ما مروا به بجمالٍ وحرارة وحلاوة صنع في داخلنا قوة ثابتة تتحدى الهدم وتحفز البناء والتعمير.
في مهرجان طيران الإمارات للآداب التقيت السيدة هالة كاظم، التي أحاطتني بهالةٍ من الحفاوة وقالت: «أخت عائشة أنتي ما تردين ولا تتجاوبين مع رسائل المودة التي أرسلها لكِ، لماذا؟» فقلت لها: «يتقمص الناس الوهميون شخصياتٍ ملهمة كشخصيتك، وتحريت حد مسوي فيه مقلب»، قالت بكل ثقة: «تبقى المودة هي المودة»، قلبٌ كقلب هالة يصارع الشوائب ليبقى ناصعاً على وتيرة أهلها. جلست في حوار لها عن الإيجابية والتغيير، استوقفتني أمثلتها وتعابيرها وصراحتها، وفي لحظة مع نفسي راجعت تفاصيل الأيام، وأدركت أننا أصبحنا نخاف من أنفسنا علينا، وهذا الخوف هو سجن للمنطق والتغيير والإيجابية. لقد غَيرت إيجابيتها أثاث عقلي وانقشع الغبار عن الدفاتر المهمشة والكتب المهداة لنا، لا سيما تلك التي طال المطر جوانبها.. أتحد مع هالة في حديثها عن المعادن وأصولها، وكيف لنا أن نعرف أنفسنا من الداخل والخارج حتى نعيش في سلامٍ وأمانٍ فنرحب بالعواطف والعواصف لأنها من واقع الطبيعة، ونعزز في أفكارنا الشجاعة والولاء لأنفسنا وقيم أهلنا السالفين.
للعارفين أقول: كلنا نتكلم لغة القلب عندما يكون الذهن صافياً وقوياً بإيجابيته، وصدق تراثنا عندما قال بأن لكل شخصٍ من اسمه نصيباً، فاسم «هالة» في لسان العرب يعني دارةُ القمر، أَو دائرةٌ من الضوء تحيط بجِرْم سماوي.. يومكم «حب وصحة وراحة بال».