أقول للأزواج، الحب نعمة، فأحبوا بعضكم بعضاً ولكن لا تجعلوا من الحب قيداً.
فالحب إن أحكم قبضته على الأرواح أصبح كما هو القفص الذهبي لطير فارق الشجرة، وترك الفضاء الرحب، ونال من القيد ما تناله الأرواح حين يكبلها هذا الحب بأصفاد التعلق المرير، والشك العصبي، والغيرة الفاسدة، والتربص، والترقب، والملاحقة المريضة، التي تجعل المشاعر كأنها الأسلاك الكهربائية، اللاسعة، والمميتة أحياناً كثيرة.
تقول المرأة للرجل أحبك فلا تتركني وحيدة أفتل شعرات الفكرة، كما تفتل الأصابع عقدة المسبحة فتحولها إلى حبات متنافرة.
كما يقول الرجل للمرأة، لا تعصي أوامر حبنا، ولا تغادري قفص العلاقة بيننا، فإنني أشعر بالهوان عندما تكونين بعيدة، وعندما تنفرين من بيت الزوجية، بحجة الزيارات المتكررة للصديقات اللواتي تربطك بهن علاقة الطفولة.
هذه الأوامر والنواهي، هي قيد، وصيد في براري الحياة الزوجية، تجعل من الحب ضحية بيوت العز والشرف، هذه المكبلات ما هي إلا أمراض عصور بادت، وازدهرت أمراضها في النفوس الرثيثة، وهذه الأحلام ما هي إلا كوابيس تخلقها أفكار عصابية نتيجتها أولاً الطلاق العاطفي، فيتبعه الطلاق الروحي والجسدي، وليس له مكان إلا مناطق البغضاء، والشحنات العاطفية، والشجار والضجر أمام أعين فلذات الأكباد، والذين يفتحون عيونهم على صراعات دامية، تدمي قلوبهم، وتؤسس مملكة الفتور العاطفي بينهم والوالدين ثم يتبعه الجفاف الصحراوي، ثم تليه علاقة أشبه بعلاقة الأشواك في حقل الأسرة الواحدة.
أحبوا بعضكم، ولكن لا تجعلوا من الحب جمرات تحرق أكبادكم، كما تذيب الجليد في نفوس الأبناء، فيغرقهم في أنهار من البغضاء، والشح، وقتر العواطف.
أحبوا بعضكم، ولكن لا تجعلوا من الحب نهراً من الذهب المذاب، فيحرق نحوركم ولا يزينها، ويكوي أصابعكم ولا يجعلها مضاءة بالجمال.
أحبوا، وأحبوا بعضكم ولكن لا تجعلوا من الحب طوفاناً يحيق بكم، وبمن حولكم، وبالأخص الأبناء.
حب التملك نقمة وليس نعمة، وهو جحيم وليس نعيماً، وهو نار وسعار وليس ستارة تلف أرواحكم بالدفء، وحسن المآل.
أحبوا بعضكم، لأن الحب قيمة وجودية، تكسبون بها حياة هانئة ولكن لا تجعلوا من الحب قشة تقصم ظهر البعير، فتطير القشة، ويربض البعير بلا حراك على تراب الخلافات الزوجية.