لم يحدث في التاريخ أن يكتشف عالم، ما استطاع إليه سيجموند فرويد، عالم النفس النمساوي، عندما وضع يده على مخزون العقل الباطن، والذي أطلق عليه اللاشعور.
في هذا المخزن البشري تكمن غريزتا الموت والحياة، هاتان الغريزتان اللتان توجهان سلوك الإنسان، سواء نحو السلب أو الإيجاب، حسب المحفزات والمحرضات الخارجية، وحسب الظروف الاجتماعية والثقافية التي يمر بها الأشخاص.
فاليوم نشهد ظاهرة العنف الفردي أو الجماعي تضرب أطنابها في صميم الروح البشرية، ونشهد الدمار الشامل الذي يعم المجتمعات الإنسانية، والحروب الأسرية، وكذلك الحروب الدولية، وقد يستغرب الكثير من الناس هذه الظاهرة، على الرغم من التقدم العلمي، وتوسع دروب المعرفة، إلا أن الإنسان لم يزل يحمل في جيناته الوراثية، تلك الجينات التي تحركت عدائيتها فقتل طالوت جالوت، ولم يحدث الندم إلا بعد فوات الأوان.
نقول لماذا؟ غريزتان، «الموت، والحياة» هما مربط الفرس، وهما نقطة التحول في حياة البشر، سواء نحو العمران أو باتجاه الفقدان  أو دمار العلاقة بين البشر.
يقول فرويد هناك صراع داخلي وهنا معارك ضروس تدور في داخل الفرد الواحد، ولا يعلم لماذا هذه الحرب، ولكن فرويد فسر ذلك بعبقرية فذة ونافذة، واستطاع أن يسلط الضوء عليهما، ولكن البشرية قرأت ما كتبه، ثم تجاوزته، وتخلت عنه، وتركت الحياة الداخلية للأفراد تسير على غير هدى، مما فاقم الأمر، واستعرت النيران بين الأفراد، وكذلك بين المجتمعات، ولم تزل البشرية تعاني هذا الخلل الكارثي، لأن العقل الباطن البشري لا يقبل المساس بمملكته، ولا يوافق البتة على الاقتراب من حياضه، لأنه لو تخلى عنها، فسوف يفقد سلطته التي يستمد منها قوته ووجوده.
والسؤال الآن، من أين يستمد العقل الباطن سطوته؟ بالتأكيد من تحريض الخارج الاجتماعي والثقافي، هما الجدول السخي الذي يستمد منه العقل الباطن غذاءه الروحي، فيكبر ويتضخم وينتفخ، حتى يصبح دملاً متقيحاً يخرج منه صديد الموت على حساب الحياة.
الكثير من الناس يلقون باللوم على الأديان أو الأيديولوجيات، باعتبارها منبع العدوانية والأنانية، وهذا خطأ ذريع نرتكبه بحق منابع الأفكار هذه، والحقيقة تقول إن الأصل في العدوانية، هي الأنانية الفردية التي تتغذى على ثقافة الأنا، والمتحدرة من صحراء الكراهية، والتي بدورها تقوم بدور قيادة الإنسان نحو القتل بقناعة داخلية أن قتل الآخر هو نجاة للذات، الأمر الذي يجعل الأفراد أو الدول يساومون على مقدار القوة التي يمتلكونها للقضاء على الآخر، وبالتالي تصبح الحياة، الصراع من أجل البقاء، ولا العيش من أجل الحياة.