منذ أن بزغت في الوجود نجمة، منذ أن شرعت تماهي الغيمة، منذ أن نسجت حريرها على خصر الحياة الأهيف، منذ أن سلكت طريق الوعي الحريري، منذ أن طوّقت العالم بشال، ووشاح أرق من ندف الثلج، منذ أن ناهزت أول انطلاقة وحتى الخمسين وهي لا تنعزل عن محيط الإنسانية، ولا تكف عن الذوبان في كأسها العذب، ولا يجف لها حبر، ولا يخف لها خطو.
هذه هي الإمارات، تحنو، وتسنو، وتمرر أنامل الغيث الغزير على ضفاف، النهر العالمي، ليبدو في الوجود، شريان عنفوان، ووريد انتفاضة ضد التكلس والكسل، ضد الغبن والحزن، ضد التلاشي في ضبابية التكوين، وهزال الكينونة.
هذه هي الإمارات، اليوم في العمق الأفريقي، برتقالة اللمضة، وبريق الومضة، تسافر في الضمير البشري، بشغف البذل، ولهف العطاء، وقدرة التضامن مع الآخر، من أجل عالم تستريح أطرافه على ضفة معشوشبة بالفرح، وتسترخي جفونه على لمسة كأنها الإكسير تمحق الترح.
هذه الإمارات في الوجود لحن كوني يزيح عن كاهل الناس دمعة الضعف، ووصمة الهوان، وعذاب التلاشي في غضون الفاقة، والعوز.
هذه الإمارات منذ أن تفرعت أغصان شجرتها المباركة، وهي تعانق السماء بخضرة الأفئدة، ولدانة المشاعر، لا فرق لديها بين قاص، أو دان، إنها السمات السماوية التي هيأت لهذه الدولة، معطيات البذخ الفكري، ورفاهية العاطفة السخية، هذه هي الإمارات، تقف في منتصف الطريق بين العالمين، ولا انحياز لها، إلا مع الحقيقة، والحقيقة هي أن يعيش العالم، فجر ازدهاره، وبروز نهوضه، وهو يحقق السعادة للجميع، وينجز مشاريع الانتماء إلى وحدة الوجود، هذه هي الإمارات، تذهب بعيداً، عميقاً، وترتفع بالأغصان نحو غايات، لا تعرقلها عاقبة ولا تعيقها عرقلة، أنها النهر الذاهب إلى المحيط، إنها الجدول العميق، يغسل أدران أشجاره، ويمنحها الشموخ، يكسبها الرسوخ.
هذه هي الإمارات المحظوظة بقيادة عرفت أن الحياة ليست إلا زهرة، إن أسقيتها بماء المكرمات، زهت، وازدهرت، ونمت وأصبحت في الكون واحة للجمال، وإن أهملتها، ذبلت، وذوت، وانكمشت، وتوارت خلف ضآلتها.
الإمارات منذورة بقيادة أسست للمعنى قصائد فرح، وشيدت للمغزى رواية عز، وفخر، وكرامة.
لهذا فالإمارات اليوم هي مقصد كل عاشق للحياة، ومرمى كل محبٍّ للجمال.