عاش العالم فترة من الزمن وهو يعاني أكذوبة الإسلاموفوبيا، وبعد حين من الدهر يكتشف العالم أن المسألة لا تتعلق بدين ولا بطائفة في حد ذاتها، بل إن الإرهاب هو وليد التعصب، عندما تتورم الأفكار وتنحاز إلى فكرة الأفضلية، بحيث يدعي كل طرف بأن دينه الأفضل، أو طائفته هي الأنقى، الأمر الذي يضيق الخناق على الوعي، ويجعله مثل ثقب إبرة محشو بأهداب رثة.
اليوم نشهد الإرهاب يخرج من بؤر مختلف الثقوب، ويعمل جاهداً على تكريس فكرة الأفضلية، مستنداً إلى سوداوية عقيمة، واحتكار الأفكار، كما اغتيال الحقائق في صور مقذعة، ومشاهد مؤذية، وحالات يتبرأ منها الضمير الإنساني، لأن الأطراف المتعصبة تنمو في المجتمعات، متنصلة من البياض، مرتدية أثواب الحداد المزري، والذي يحرض العقل على مزيد من الانحياز، ومزيد من التطرف، ومزيد من الغضب والتعصب والانزياحات المؤلمة.
وقد قال الفيلسوف الفرنسي التنويري جان جاك روسو: «الأفكار المسبقة مفسدة للعقل»، كما قالت الفلسفة الإغريقية قبله: «إذا كان العقل مستبداً، فمن المستحيل أن يصحو الضمير»، وهذا يحدث الآن، والعالم يشهد من المآسي ما يشيب لها الرأس، لذلك فإنه عندما يحدث أمر جلل في مكان ما من هذا العالم، فلا بد أن نعلم بأن هناك فكرة خبيثة، تختبئ في بيت الضمير وتحاصره، وتمنعه من النهوض، وقول كلمة الحق.
العالم اليوم مطالب ليس بإنهاء الحروب في هذا المكان أو ذاك، وإنما يحتاج العالم إلى شجاعة متناهية، تساعده على التخلص من الأنانية، والتي مبعثها الأفكار السوداوية، العالم بحاجة إلى التخلص من فكرة (اليقين) التي تجعل الناس يتمسكون بالأفكار مهما كانت فارغة، ولا معنى لها، ولا قيمة لها، بل هي الأداة التي تؤدي إلى طرق التهلكة، وضياع الأبرياء تحت وابل من جحيم الغضب، وعذابات التشرد، واليتم، وفقدان المصير.
مع الأسف الشديد، نجد في العالم، على طرفيه، شرقاً وغرباً، سياسيين، ومفكرين ومثقفين يقودون عربة التطرف إلى مهاوي الردى، ويعملون على التشويش على الحقائق التاريخية، بل وإعماء التاريخ بحيث يمضي وهو متكئ على عصا الجهل، ورثاثة الفكر، مما يسبب الزلازل التي تحيق بالبشرية، وتهشم بيوت الحضارة، وتدمر منجزات البشرية، مثلما تعمل العواصف الهوجاء.
من يحطم كنيسة، من يدمر مسجداً على رؤوس العابدين، إنما هو يمزق القماشة الرهيفة التي أرسلتها السماء، لكي تستر أرواح الإنسانية، وتمنح البشر عقلانية تميزهم عن سائر الكائنات.
من يقتل طفلاً أو كهلاً أو امرأة، إنما يفتك بالبراءة، ويحول الحياة إلى غابة يفترس فيها القوي الضعيف، وعلى إثر ذلك يتم تشويه الحياة، وتفويت الفرصة للإنسانية لكي تتبوأ عرش التميز في طريقة تعاطيها مع معطيات الوجود.