صحوت صباحاً، أبحث عن القصيدة التي كتبتها ليلة البارحة.. فلم أجدها!
بحثت في الأوراق التي اعتدت أن أضعها قرب السرير. قلبت دفتر الملاحظات الذي اعتدت أيضاً أن أضعه على الطاولة نفسها. فلم أجد أي أثر للقصيدة التي كتبتها ليلة البارحة! قلت ربما أن الشغالة دخلت غرفتي ورتبت الأوراق على الطاولة. وحين سألتها نفت. ولمحت في عينيها ظلال الشك الذي يشي بالريبة في طبيعتي الشاردة. كنت قد اعتدت إذا داهمتني سلطة الكتابة في السرير أن أكتب في العتمة، لأجد صعوبة في قراءة خطي في اليوم التالي. لكنني لم أجد حتى ذلك الخط المبهم على الورق.
القصيدة التي كتبتها ليلة البارحة كانت جميلة، تتدفق بسلاسة ويسر وكنت مبتهجة على غير عادتي حين أكتب وأشعر بعد الكتابة أنني لم أقل ما وددت قوله.
وحين جاءت صديقتي هتفت بنشوة الفرح. ومددت يدي بالورق وقلت لها: اقرئي هذه القصيدة. قالت متى كتبتها، قلت لها البارحة. حدقت في الورق وقلبته فلم تجد شيئاً. كانت الصفحات بيضاء. قالت أين القصيدة؟ قلت هي أمامك على الورق أم أنك أصبحت لا ترين! وحين رأتني أحدق فيها وأقرأ الدهشة والشفقة في عينيها، استدركت وقالت مازحة: ربما أنك كتبتها بحبر سري. خطفت الورق من يدها قلبته، وحين لم أرَ شيئاً سوى البياض قهقهت عالياً وقلت: ربما أنني كتبتها في الحلم.. لكنها لم تصدقني، وربما اعتقدت أنني أمازحها، فقد سحبت الورقة من يدي وراحت ترفعها في مسار الضوء لتعثر على القصيدة المخفية... استيقظت فجأة.. كان ضوء النهار ينسل من شق الستارة ويسقط على عيني. حينها أدركت أنني كنت أحلم وأن القصيدة الجميلة تلك لم تكن سوى حلم، وصديقتي جاءت إليّ في الحلم!
أغمضت عيني وحاولت أن أتذكر ولو جملة أو كلمة من تلك القصيدة المدهشة، فلم أعثر على شيء مطلقاً! كيف يحدث ذلك؟ كيف يحدث أن نكتب ولا نكتب. كيف أتذكر الآن حدث الحلم كله ولا أتذكر القصيدة أو شيئاً منها؟ هل كنت نائمة حقاً؟ من أية خزائن في الذاكرة كانت الكلمات والصور، والبهجة والتأمل والأفكار تتدفق؟ من يقظة الحواس أم من غفوتها؟ ولماذا تكتب الذاكرة قصيدتها ويعجز العقل الواعي عن حفظها واستعادتها.؟ هل إن كل قصيدة نكتبها هي ظل لقصيدة كتبت في خفاء الذاكرة؟.. ربما..!