هو ذلك المتأزر بحكمة الانتماء، وفطنة الولاء، وشيمة الوفاء، هو ذلك المطوق بوشاح الحلم الأبدي، وسيرة وطن رفع السارية، وأفرد الأشرعة، وانتمى إلى المحيط في وسعه، وفي جلاله.
هو ذلك الحارس للقيم، القابس في عتمة الناس، النابس في صمت الليل، الذاهب بالحياة نحو سلام، ووئام، وانسجام، هو ذلك المتأجج حرقة على تحريك مشاعر الناس نحو أهداف تصع للغد سياجاً، وسراجاً، ومنهاجاً، هو ذلك الشرطي الذي يقف عند قارعة الطريق، تسبقه ابتسامته، وتعلو محياه الصحراوي، ملامح تاريخ يسجل للوقت مدى أهمية هذا الإنسان، وضرورة رؤية بزته العسكرية، كوسم شرف، وإشارة أمان في الطريق، ولحن قيثارة تجود حركة المجتمع، وتجيد بسط نظام الكلمات على شفاه ثقافة إماراتية عرفت منذ الأزل بأن للغة سحر الهيمنة على الضمير، وأن للضمير حرز الأمان والطمأنينة.
الشرطي هو ذلك الخيط الرفيع الذي يوثق رباط السلام في المجتمع، وهو زر قميص الرزانة في العلاقة ما بين الإنسان والإنسان.
عندما تصادف شرطياً يحني الظهر وينكب على معالجة مشكلة طارئة حدثت لسائق مركبة، تشعر بأن هذا الملاك حط من علٍ، واستمرأ المشاركة في حل عقدة المعضلات والتي طالما تواجه الناس وهم في مسعاهم، وفي كدهم.
هذه واحدة من حزمة خصال، ووصال، يؤديها الشرطي في بلادنا وهي كثيرة، وبلا حصر، فأنت في هذه البلاد لا تشعر بالعزلة، ولا ينتابك الخوف على مصير، لأن العيون تحرسك، والضمائر تحيطك برعايتها، والقلوب تضمك فيما بين الوريد والشريان، فأنت في أمان، وأنت في منطقة خضراء معشوشبة بالحب.
فالشرطي صديقك، والشرطي رفيقك في الطريق، وأنت محروس منذ أن تخرج من بيتك حتى تعود إليه سالماً معافى، أنت في الدائرة المفتوحة على الثقة بكل ما تحمله من معانٍ في لغة الضاد، لأنك ما أن تلتفت يمنة أو يسرة، تجد هذا الفائض حباً يتسرب بين أناملك، كأنه الطيف، كأنه النسمة مجللة بالحنايا، والنوايا الحسنة.
هكذا يكون المجتمع مثل كأس الماء الصافي، عندما يكون الشرطي النبع الذي منه يستقي العباد رشفاتهم العذبة.
هكذا يكون المجتمع مثل الحلم الزاهي، عندما يتمتع الشرطي بتلقائية التعامل مع الآخر وهكذا يكون المجتمع مثل المروج الخضراء، عندما يكون الشرطي غصناً مورقاً بالعاطفة المرهفة.
لقد ولى زمان الأفكار التي تصف رجل الشرطة، بالخشونة، وعنفوان الخلق، ولى زمان، وجاء زمان، فيه رجل الشرطة، إكسير الحياة في أي مجتمع.