- شاهدنا في أوروبا وأميركا، كما وردنا، كيف تكون مفاجأة الزوجة لزوجها في رأس السنة أو «الكريسميس»، سيارة «بورشيه» كلاسيكية كان يهواها في صباه، وتحدث عنها كثيراً معها، وخبأت له تلك المفاجأة حين قدرت عليها من دون أن يدري، أو منزلاً ريفياً على بحيرة كان يحلم به في سنوات تقاعده، فباعت بوليصة التأمين لتُؤمِن له ذلك الحلم في خريف عمره، هي لمسات إنسانية، عندنا ما في إلا قنابل قابلة للتفجير؛ «خذ عيالك وانبحص بهم البر»! «يوم ما طعت تودينا لندن، أنا ما بَشَبّر برا البيت، وأنت وعيالك شوفوا لكم بصرَه وإلا صِرفة، وإلا روح هِيت ويا ربعك»! ما في رومانسية ولا مشاعر إنسانية.. «طيب أقلها سيارة دان دان»!
- ما يضحكوني إلا أولئك المساكين الذين مترصصين ببدل ضيقة، وربطة عنق غير مناسبة تماماً، وكلامهم خال من ثقة النفس، وهم يعلنون عن مشروع فيلل فاخرة بالملايين، والواحد منهم شكله صار له شهرين ما قبض راتباً كاملاً، وفي إمكانية أن يترك الشركة في أي وقت، ويشتغل «دليفري»، وإلا تلك المعلنة وهي تتمخطر بذاك «الكوش» والكندورة العربية المخورة، تُذكرك بفيديوهات الأغاني المحلية القديمة التي كانت تسجل للتلفزيون على عجل، وبلا إتقان، تكون الوحدة منهن من عند الخياط مباشرة إلى مكان التصوير، وتتم تناوي بيديها، وتتصنع الغنج الفاتر، معتقدة أن الثوب يلزمها بأن تكون هكذا دلوع.
- لما تكون غنياً، وذا مال، وذا محتوى أيضاً، ومنغمساً في حياتك الواقعية الجديدة، وما تحتوي من صداقات فيها العافية والفائدة، ومرتبطاً بعلاقات اجتماعية متعددة الأطراف، وعندك أكثر من سكرتيرة، وإذا قالت واحدة منهن: عنده اجتماع مهم! يكون الاجتماع فعلاً مهماً، وكلامها صحيح لا تصريف، ويأتي لباب شركتك رجل يماثلك في العمر، لكنه يبدو هرماً من الفقر، يُذكرك بغبار الحارة القديمة، وذاكرة الطفولة التي كانت قبل النفط، ويقول لك: ما تتذكرني أنا أخوك من الرضاع! وتكاد لا تعرفه لأول وهلة، مثله مثل تلك المشاريع الواعدة بالفقر، فتسلم عليه بطرف اليد، وهو يخبئ لك قبلة وحضناً يدوم طويلاً، وبعد حديث على الواقف، لا تقدر أن تنكر  ذلك «السيكل الدبل» التي كنتما تترادفان عليه، ولا حين حب أن يتودد لك وذكرك بحمارة حياة «خموس بن يمعه» حين فكيتما قيدها من رسغها، وربعت بكما في سكيك الحارة حتى طرحتكما أرضاً، وانطلقت منفلتة، وخفتما من عينه الحمراء وعصاه اللينة، ظل يعدد لك حكايات الزمن الذي تراه بعيداً، ويراه هو قريباً، ولم يفارقه، كنت متململاً، وكان هو على سجيته، ودعته، وكنت تعتقد أنه جاء من أجل مال ينقصه، وسيطلبه، لكنه ودعك من دون أن تعرف حاجته، لأنه جاء من دون حاجة، غير أن الأمر الذي حَزّ في نفسه، وجرحها كثيراً أنك لم تسأل عن أمه «حلوة اللبن»!