تابعت جدلاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول الدور المتعاظم للشركات الاستشارية في العديد من المجتمعات التي تغلغلت فيها ونجحت في إقناع مسؤوليها بأهمية ونجاعة الأفكار الاستشارية التي تقدمها للارتقاء بالمؤسسات والدوائر فيها وتطوير أعمالها بعد إعادة هيكلتها بالطريقة المثلى، وفق وصفات تلك الشركات التي لا تقل مرارة وقسوة عن وصفات صندوق النقد الدولي، وذلك لتجاوز أوضاع معينة تمر بها تلك المؤسسات والجهات.
 قام الجدل انطلاقاً مما يطرحه كتاب «الخدعة الكبرى: كيف تُضعف الصناعة الاستشارية الحكومات والشركات وتشوه الاقتصاد؟» الصادر فبراير 2023 لأستاذة الاقتصاد في جامعة كلية لندن ماريانا مازوكاتو، وزميلتها روزي كولينجتون، اللتين قررتا إسقاط القناع عن تلك الشركات الاستشارية الكبرى.
وجرى بالمناسبة الاستشهاد بما ذهب إليه الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة في المملكة العربية السعودية الشقيقة، عندما جرت الإشارة إلى ارتفاع التكلفة المالية للاستعانة بهذه المكاتب والشركات وخطورة الأمر في الاعتماد المتزايد عليها بحيث «يُضعف قدرات الجهة التي تستعين بهم مع الوقت ويُجردها من الذاكرة المؤسساتية» كما قال الرجل، واعتبرها سر «البقاء» بالنسبة لها مستعرضاً تجربته في وزارته وكيفية معالجة الوضع من خلال تبني نهج الاعتماد التدريجي على الكوادر والكفاءات المحلية بعد إخضاعها لدورات وبرامج تدريبية ونوعية مكثفة.
 ومن واقع الكتاب والحوار يتضح أن لجوء بعض المجتمعات للشركات الاستشارية هو بسبب ضعف الموارد البشرية والخوف من تحمل المسؤولية بإيلاء الأمر لشركة «عالمية» لتمرير «إجراءات غير مريحة».
 وجرى طرح مثال آخر على نتائج الاستعانة بالشركات الاستشارية بأنها قد توفر الأموال العامة على المدى القريب، مقابل ثمن باهظ على المدى البعيد بخسارة الكفاءات. وقد ارتفعت عقود الحكومة البريطانية للاستعانة بشركات استشارية في مجال الخصخصة من 6 إلى 246 مليون جنيه إسترليني خلال حقبة ثاتشر.
أحد المغردين الخليجيين ممن نشروا عن الكتاب وأثاروا الجدل حوله ونشروا خلاصة عنه حقق أكثر من مليون مشاهدة خلال يوم واحد فقط مما يشير لقوة المشكلة وحجم القلق من دور تلك الشركات.
 ورغم قناعة الجميع بأن الوصفة التي تصلح في مجتمع لا يلزم بالضرورة نجاحها في آخر، لكن المؤكد أن مفتاح كل الحلول الاعتماد على الكفاءات والكوادر المحلية وعدم تسليم «الجمل بما حمل» لهذه الشركات التي تفتقر للشفافية وتحرص على إطالة بقائها لتحقيق أقصى استفادة لصالحها.