بشغف العشاق ولهف المحبين تلبس الظفرة سندس الجمال، واستبرق حسن الطلعة، وبهاء المنظر. زرتها قبل سنوات، بدعوة من سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، وجلت في باحاتها، وواحاتها، واستراحاتها، ونلت الشرف العظيم في تقصي وجدان تلك البقعة الطيبة من تراب الوطن، وتعرفت على أهلها، واقتربت أكثر من سجايا أولئك الذين نبتوا بجوار غافة الزمن، حارسة الصحراء، غافة الشبهانة، مظلة السلع، وشاهد عيان على يد أروت المكان بعذب الرؤية، وظللت الإنسان ببداهة الرؤى، وعذوبة المرأى. وعلى إثر هذه الزيارة صدر لي كتاب بعنوان- الغربية طائر بثمانية أجنحة- كان هذا حصاد علاقة توطدت بفعل ما للتراب من عطر يضمخ الوجدان، وما لعبق
أهل تنضوي بينهم المشاعر فتصبح دفء بخور عربي البوح والفوح. في ذلك الاستدعاء الجميل، وفي جولة كان لي شرف الانتماء إلى ثلة من القابضين على جمرة الشوق، والتوق، باتجاه الفضاء الوسيع.
المكان صحراء الإمارات، الزمان القرن الواحد والعشرون، اللحظة غروب الشمس، مع انطفاء الضجيج.
عند تلة متداعية على شجرة غاف، التأم شمل أحباب وأصحاب، ونساء ورجال، وكبار وصغار، ولسان النار يلهج بلذة الدفء ونشوة الالتفاف. بفضول الساعي إلى استقراء واقع تحدر من ماض سحيق، سألت أحد كبار السن، كيف ترى المكان، وأنت تغادر منزل المدينة؟
حك صدغه، وأرسل نظره، متهجياً حروف الشرارات المتطايرة من وهدة السخونة المباركة ثم أردف:
غيرت المدينة أشياء كثيرة في حياتي، ولكن هناك أشياء كثيرة تستولي على الروح، وبسطوة العشق لم تزل تمارس قوتها بمشاعر العشاق المدنفين، وهذا ما يجعلني آتي إلى هنا لأبحث عن ملامحها ولما أجدها، أتشبث بتلابيها بعنف المستوحش من غربة طال غرامها في القلب، ثم يفرك جفنيه ويمسح
دمعة انسحبت بخجل على الأخاديد، مغتسلة بالشعر الأبيض. ويستطرد: انظر إلى هذه الكثبان، ثم شيع نظرة إلى ذلك البحر البعيد، ثم عرج لترى النار المشتعلة في وجدان قدور الطهو.
لم أجب، بل حدقت في محياه المكتظ بتقاسيم الفرح، والشجن المزدحم بتفاصيل دقيقة تبدو كأنها الذرات المتداعية من نفضة سجادة قديمة. هذا هو تعبير كل من يعيش على تلك البقعة من الوطن، إنه الحلم المتطور نسلاً من سجايا عريقة بعراقة الزمن، جميلة بجمال أهلها وطبيعتها، لذلك حديث سمو الشيخ حمدان بن زايد حول إطلاق مشاريع سياحية عملاقة في منطقة الظفرة، يأتي في زمانه ومكانه لأن هذه المنطقة تختزن ثروات سياحية هائلة تستحق إخراجها إلى الوجود.