عندما تكون في حضرة الفراغ، تجاوب معه، انسجم، وتناغم، وفرّغ عقلك من القلق، ولا تدع للأفكار مكاناً في رأسك، كن في حضرة الوجود، كأنك الشجرة المثمرة في محيط الصحراء عندما يكون عقلك فارغاً من الأفكار السوداوية، يكون أيضاً فارغاً من الضجر.
بعدها ستجد نفسك في حقل من الأزهار، سوف تشم عبير وحدانيتك التي هي ذاتك، وسوف تكتشف أن في الفراغ يكون الإنسان أصفى، وأنقى، وأحلى، وأكثر جلالاً، وأعظم قدرة على التناغم مع الحياة، وبعدها تستطيع أن تبدع، في أي عمل تختاره.
في الحقيقة لا يوجد فراغ، والوجود كله مملوء بما يجعلك مزدهراً بالإنتاج، يجعلك مثمراً مثل الشجرة التي تأملتها وهي تهز أغصاناً في عمق الصحراء.
نحن اليوم نعيش تحت وطأة جائحة لم ترحم، ولم ترأف، ولم ترفق بصغير أو كبير، بل هي نشبت مخالبها في جسد الحياة وجمّدت مرافقها، وشلت حركتها، ولكن مع كل ذلك، فإن الأحياء هم الذين يصنعون طريقة حياتهم، ولا يمكثون أسرى في أغلال أي معضلة قد تضع أوزارها على كواهلهم.
اليوم نحن مطالبون أن نخرج من غمة الجائحة، نحن مطالبون أن نغادر منطقة الخنوع إلى باحات الشموخ، نحن علينا أن نواجه المعضلة بأدوات الطموح، والتفاؤل، وأن نكون بقدر المسؤولية أمام غضب الطبيعة، فهذا امتحان، وعلينا أن نثبت نجاحنا، وتفوقنا، وامتيازنا وفرادتنا، واستثنائيتنا، في ظل ظروف فرضت علينا من قبل وباء لا يرحم الضعفاء، ولا يتهاون مع القابعين تحت سطوة البؤس، واليأس.
نستطيع أن نحول الفراغ إلى هالة شمسية، تضيء طريقنا إلى حياة أفضل، نستطيع أن نحول المصاب إلى حياة مفعمة بالفرح عندما نظفر بالإرادة الصلبة، والعزيمة القوية، والعقل المتأجج بطاقة إيجابية لا تخنع، ولا تخشع، ولا تركع لأي ريح، مهما كانت قوتها، ومهما كانت شراستها، لأننا نحن الذين أنيطت بنا إدارة هذا الكون، ونحن سكان الأرض الذين قال عنا أعظم فيلسوف في القرن العشرين، مارتن هايدجر، إن الإنسان راعي الكون.
وطالما قبلها بهذا التوصيف الجميل، فإننا مطالبون بأن نفي بالعهد، وأن نصون الوعد، ونمضي في الحياة إلى حيث تشرق شمس الأفراح، وحيث يتوهج نور الوجود، وتنجلي نقمة الوباء، وتستعيد الحضارة البشرية بريقها، وتنتشل مكتسباتها من تحت ركام الوباء اللعين.
نحن مطالبون أن ندير الظرف الراهن، بابتسامة لا يطفئها خوف، ولا يرجفها حيف، نحن مطالبون أن نمضي ولا نتوقف، ونتقدم، ففي التقدم يحدث كمالنا.